التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ
١٠
تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
١١
يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١٢
وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٣
-الصف

محاسن التأويل

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ } أي: إيماناً يقينياً لا يشوبه أدنى شك { وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي: من أهل العلم. أو أنه خير. فإن قيل: إن ذلك خير بنفسه علموا أولاً، وأيضاً أن علمهم محقق، إذ الخطاب مع المؤمنين. فالجواب ما قاله الناصر: أن الشرط ليس على حقيقته، بل هو من وادي قوله تعالى: { { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [البقرة: 278]. والمقصود بهذا الشرط التنبيه على المعنى الذي يقتضي الامتثال، وإلهاب الحمية للطاعة، كما تقول لمن تأمره بالانتصاف من عدوه: إن كنت حراً فانتصر. تريد أن تثير فيه حمية الانتصار لا غير. انتهى.
وقوله تعالى: { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } جواب للأمر المدلول عليه بلفظ الخبر. أو لشرط أو استفهام، دل عليه الكلام تقديره: إن تؤمنوا وتجاهدوا. أو هل تقبلون أن أدلكم، يغفر لكم { وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ } أي: بساتين إقامة لا ظعن عنها { ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } أي: النجاء العظيم من نكال الآخرة وأهوالها.
{ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } أي: عاجل. وهو فتح مكة. وهذا يدلّ على أن السورة نزلت قبل فتح مكة بقليل. وكان القصد منها تشجيع المؤمنين على قتال محاربيهم، والثبات أمامهم، والتحذير عن الزيغ عن ذلك، والترغيب في السخاوة ببذل الأنفس والأموال، في سبيل الحق، لإعلاء شأنه، وإزهاق الباطل. و { أُخْرَى } مفعول لمقدر معطوف على الجوابين قبله، وهو جواب ثالث. أي: ويؤتكم أخرى أو صفة لمبتدأ مقدّر، وخبره محذوف. وهو لكم، أي: ولكم إلى هذه النعمة المذكورة، نعمة أخرى عاجلة محبوبة، وهي نصر من الله لكم على أعدائكم، وفتح قريب يعجّله لكم.
{ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } أي: بنصره تعالى لهم وفتحه. ومن منع من النحاة عطف الإنشاء على الخبر يقول: و { بَشِّرِ } معطوف على { تُؤْمِنُونَ }، لأنه بمعنى آمنوا. وضعّف بأن المخاطب بـ { تُؤْمِنُونَ } المؤمنون، وب { بَشِّرِ } النبي صلى الله عليه وسلم. ثم إن { تُؤْمِنُونَ } بيان لما قبله، و { بَشِّرِ } لا يصلح لذلك. وأجيب بأنه لا مانع من العطف على الجواب، ما هو زيادة عليه إذا ناسبه. وهذا أولى على الوجوه عند صاحب "الكشف"، كتقدير: أبشر يا محمد، و { بَشِّرِ }، وتقدير: قل قبل { يَا أَيُّهَا } وجعل { بَشِّرِ } أمراً بمعنى الخبر، كما في قوله: أبطئي أو أسرعي.