التفاسير

< >
عرض

وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
٣
-الطلاق

محاسن التأويل

{ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } قال الزمخشري: يجوز أن تكون جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق من إجراء أمر الطلاق على السنة، وطريقه الأحسن، والأبعد من الندم. ويكون المعنى: ومن يتق الله فطلَّق للسنة، ولم يضارّ المعتدة، ولم يخرجها من مسكنها، واحتاط فأشهد، يجعل الله له مخرجا مما في شأن الأزواج من الغموم، والوقوع في المضايق، ويفرج عنه وينفس، ويعطه الخلاص، ويرزقه من وجه لا يخطره بباله ولا يحسبه، إن أوفى المهر وأدّى الحقوق والنفقات، وقلّ ماله، ويجوز أن يجاء بها على سبيل الاستطراد عند ذكر قوله: { ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ } يعني: ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ومخلصاً من غموم الدنيا والآخرة. انتهى.
تنبيه:
قال ابن الفرس: قال أكثر المفسرين: معنى الآية في الطلاق أي: من لا يتعدى طلاق السنة إلى طلاق الثلاث يجعل له مخرجاً إن ندم في الرجعة. قال: وهذا يستدل به على تحريم جمع الثلاث، وأنها إذا جمعت وقعت، نقله في"الإكليل".
وقال ابن القيم في"الإغاثة": اعلم أنه من اتقى الله في طلاقه، فطلّق كما أمره الله ورسوله وشرعه له، أغناه من الحيل كلها؛ ولهذا قال تعالى بعد أن ذكر حكم الطلاق المشروع: { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً }، فلو اتقى الله عامةُ المطلقين لاستغنوا بتقواه عن الآصار والأغلال، والمكر والاحتيال، فإن الطلاق الذي شرعه الله سبحانه: أن يطلقها طاهراً من غير جماع، ويطلقها واحدة، ثم يدعها حتى تنقضي عدتها، فإن بدا له أن يمسكها في العدة أمسكها. وإن لم يراجعها حتى انقضت عدتها أمكنه أن يستقبل العقد عليها من غير زوج آخر. وإن لم يكن له غرض لم يضره أن تتزوج بزوج غيره، فمن فعل هذا لم يندم، ولم يحتج إلى حيلة ولا تحليل؛ ولهذا سئل ابن عباس عن رجل طلق امرأته مائة فقال: عصيت ربك، وفارقت امرأتك، لم تتق الله فيجعل لك مخرجا.
وقال سعيد بن جبير: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني طلّقت امرأتي ألفاً. فقال: أما ثلاث، فتحرم عليك امرأتك، وبقيّتهن وزر، اتخذت آيات الله هزؤاً.
قال مجاهد: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثاً، فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه، ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الأحموقة، ثم يقول: يا ابن عباس ! وإن الله تعالى قال: { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } وإنك لم تتق الله فلا أجد لك مخرجاً، عصيت ربك، وبانت منك امرأتك، ذكره أبو داود. والبحث طويل الذيل لا يستغنى عن مراجعته. { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } أي: من يتوكل على ما شرعه، ويفوّض أمره إلى ما جعله المخرج، لأنه لا دواء أنجع منه { إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ } قرئ بالإضافة، أي: يبلغ ما أراد من أمره، فمن تيقن فوض أمره إليه، وعول عليه. وقرئ: { إِنَّ اللَّهَ بَالِغ أَمْرِهِ } أي: تام وكامل أمره وحكمه وشرعه، لما فيه من الحكم والرحمة { قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } أي: حدّاً وتقديراً، حسبما تقتضيه الحكمة. ومنه تقديره ما قدر في أمر الطلاق، مما بينه في شأنه وتوقيته، معرفة المخرج منه.