التفاسير

< >
عرض

فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ
٨
وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ
٩
وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ
١٠
هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ
١١
مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ
١٢
عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ
١٣
أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ
١٤
إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
١٥
سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ
١٦
-القلم

محاسن التأويل

{ فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ } أي: بآيات الله وما جاءهم من الحق.
قال الزمخشري: تهييج وإلهاب على معاصاتهم.
{ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } أي: ودوا لو تركن إلى آلهتهم، وتترك ما أنت عليه من الحق، فيمالئونك، رواه ابن جرير عن مجاهد، ثم قال: أي: لو تلين لهم في دينك بإجابتك إياهم إلى الركون إلى آلهتهم، فيلينون لك في عبادتك إلهك، كما قال جل ثناؤه:
{ { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ } [الإسراء: 74 - 75]، وإنما هو مأخوذ من الدهن، شبه التليين في القول بتليين الدهن.
{ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ } أي: كثير الحلف. قال الزمخشري: وكفى به مزجرة لمن اعتاد الحلف، ومثله قوله تعالى:
{ { وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ } [البقرة: 224].
{ مُّهِينٌ } أي: حقير الرأي والتمييز.
{ هَمَّازٍ } أي: عيّاب طعان. قال ابن جرير: والهمز أصله الغمز. فقيل للمغتاب: هماز لأنه يطعن في أعراض الناس بما يكرهون، وذلك غمز عليهم.
{ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ } أي: نقّال لحديث الناس بعضهم في بعض، للإفساد بينهم.
{ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ } أي: بخيل بالمال، ضنين به. والخير المال. أو صادّ عن الإسلام.
{ مُعْتَدٍ } أي: على الناس متجاوز في ظلمهم { أَثِيمٍ } كثير الآثام.
{ عْتِلُ } أي: جاف غليظ دََعيّ { بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } أي: دعيّ ملصق في النسب ليس منهم، أو مريب يعرف بالشر. قال ابن جرير: ومعنى { بَعْدَ } في هذا الموضع معنى مع.
وقال الشهاب: الإشارة لجميع ما قبله من النقائص لا للأخير فقط وهي للدلالة على أن ما بعده أعظم في القباحة. فـ { بَعْدَ } هنا كثم الدالة على التفاوت الرتبيّ، كما مر في قوله:
{ { بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } [التحريم: 4] { أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ } قال الزمخشري: متعلق بقوله { وَلَا تُطِعْ } يعني: ولا تطعه مع هذا المثالب، لأن كان ذا مال، أي: ليساره وحظه من الدنيا. ويجوز أن يتعلق بما بعده، على معنى لكونه متمولاً مستظهراً بالبنين، كذب بآياتنا { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا } أي: تقرأ عليه آيات كتابتا { قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ } أي: هذا مما كتبه الأولون، استهزاء به، وإنكاراً منه أن يكون ذلك من عند الله.
وقوله { سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ } عدةٌ منه تعالى بغاية إذلالِه، بعد تناهي كبره وعجبه وزهوه وعتوه. تقول العرب: وسمته بميسم السوء، يريدون أنه ألصق به من العار مالا يفارقه. قال جرير:

لما وضعتُ عَلى الفَرَزدَقِ ميسَمي وعلى البعيث جَدَعْتُ أنفَ الأَخْطَلِ

قال الزمخشري: الوجه أكرم موضع في الجسد، والأنف أكرم موضع من الوجه, لتقدمه له، ولذلك جعلوه مكان العز والحميّة، واشتقوا منه الأنفَة، وقالوا: الأنف في الأنف، وحمى أنفه، وفلان شامخ العرنين. وقالوا في الذليل: جدع أنفه، ورغم أنفه. فعَّبر بالوسم على الخرطوم عن غاية الإذلال والإهانة، لأن السمة على الوجه شين وإذالة، فكيف بها على أكرم موضع منه؟ ولقد وسم العباس أباعره في وجوهها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكرموا الوجوه" ، فوسمها في جواعرها. وقيل: لفظ الخرطوم استخفاف به واستهانة، لأن أصل الخرطوم للخنزير والفيل. وقيل: سنعلمه يوم القيامة بعلامة مشوّهة يبين بها عن سائر الكفرة، كما عادى رسول الله صلى الله عليه وسلم عداوة بان بها عنهم. انتهى.
تنبيه:
قيل: عنى بالآية الأخنس بن شريق، قال ابن جرير: وأصله من ثقيف، وعداده في بني زهرة؛ أي: لأنه التحق بهم حتى كان منهم في الجاهلية؛ ولذا سمي زنيماً للصوقه بالقوم، وليس منهم، وقيل: هو الوليد بن المغيرة، ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة من مولده.