التفاسير

< >
عرض

أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ
١٩٥
-الأعراف

محاسن التأويل

{ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } تبكيت إثر تبكيت، مؤكد لما يفيده الأمر التعجيزي، من عدم الإستجابة، ببيان فقدان آلتها بالكلية، فإن الإستجابة من الهياكل الجسمانية، إنما تتصور إذا كان لها حياة وقوى محركة، ومدركة، وما ليس له شيء من ذلك، فهو بمعزل من الأفاعيل بالمرة، كأنه قيل ألهم هذه الآلات التي بها تتحقق الإستجابة، حتى يمكن استجابتهم لكم؟ وقد وجه الإنكار إلى كل واحدة من هذه الآلات الأربع على حدة، تكريراً للتبكيت، وتثنية للتقريع، وإشعاراً بأن انتفاء كل واحدة منها بحيالها، كاف في الدلالة على استحالة الإستجابة. أفاده أبو السعود.
ويقال: إنه لما جعلهم مثلهم، كرّ على المثلية بالنقض بما ذكر، لأنهم أدون منهم، وعبادة الشخص من هو مثله لا تليق، فكيف من هو دونه.
تنبيه
قال الرازي: تعلق بعض أغمار المشبهة وجهَّالهم بهذه الآية، في إثبات هذه الأعضاء لله تعالى، فقالوا: إنه تعالى جعل عدم هذه الأعضاء، لهذا الأصنام، دليلاً على عدم إلهيتها، فلو لم تكن هذه الأعضاء موجودة لله تعالى، لكان عدمها دليلاً على عدم الإلهية، وذلك باطل، فوجب القول بإثبات هذه الأعضاء لله تعالى... الخ.
وأقول: الظاهر أن ملحظ مثبتيها هو أن عدمها يدل على النقص، وهو محال على المولى تعالى، إذا له كل صفة كمال، ومعلوم أن في إثباتها له تعالى من آيات أخر، وأحاديث مشهورة، ما يغني عن تكلف استثباتها له تعالى من مثل هذه الآية، ولكن على المنهاج السلفي، وهو إثبات بلا تكييف، إذ من كيف فقد مثل، ومن نفى فقد عطّل. فالمشبهة كالمعطلة، والحق وراءهم، والمسألة شهيرة.
ولما بين تعالى أن شركاءهم عاجزون، أمر تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يناصبهم للمحاجة، يكرر عليهم التبكيت، فقال سبحانه: { قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ } أي: استنصروا بها علي: { ثُمَّ كِيدُونِ } أي: اعملوا أنتم وهم في هلاكي من حيث لا أشعر به، حتى يمكنني دفعه. { فَلاَ تُنظِرُونِ } أي: عجلوا في كيدي، فلا تمهلوني مدة أطلع فيها على كيدكم، فإني لا أبالي بكم. وقد أثبت نافع وأبو عَمْرو الياء في ( كِيدُونِي )، والباقون حذفوها. ومثله في قوله: { ولا تُنظِروُنِ } { ثُمَّ لا تُنِظرُرنَ }، قال الواحدي: والقول فيه أن الفواصل تشبه القوافي، وقد حذفوا هذه الياءات إذا كانت في القوافي، كقوله:

يلمسُ الأحلاسَ في منزلِهِ بيديه كاليَهُوديّ المُصَلّ

وأصلها المصلِّى. والذين أثبتوها، فلأن الأصل هو الإثبات.