التفاسير

< >
عرض

خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ
١٩٩
-الأعراف

محاسن التأويل

{ خُذِ الْعَفْوَ } أي: مكان الغضب، ليكونوا أقبل للنصيحة { وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } أي: بالجميل المستحسن من الأفعال، فإنها قريبة من قبول الناس من غير نكير.
ولما كان الناصح لغيره، كالمعرض لعدوانهم، ثلث بما يحتاج إليه في ذلك فقال: { وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } أي: المصرِّين على جهلهم، فلا تكافئ السفهاء بمثل سفههم، لا تمارهم، واحلم عنهم، وأغْضِ على ما يسوؤك منهم.
تنبيهان
الأول: قال بعض العلماء: إن سر الشريعة في الطباع والعادات، هو تأييد المستحسن ومحو المستقبح. وإليه الإشارة بقوله تعالى:
{ { وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَر } [لقمان: 17] فإن المعروف ما عرفته الطباع السليمة واستحسنته، والمنكر ما أنكرته واستقبحته، ذلك لأن غاية الشريعة راحة الخلق على حال ونظام معقولين، فلا يصح المحكم بتوحيد العادات في كل البلاد.
الثاني: روي عن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه قال: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها.
وروى البخاري عن ابن عباس أن عيينة بن حصين قال لعمر بن الخطاب: هي يا ابن الخطاب! فو الله، ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل، فغضب عمر، حتى همّ أن يوقع به. فقال له الحر بن قيس: يا أمير المؤمنين! إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ }، وإن هذا من الجاهلين.
قال ابن عباس: والله! ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله عز وجل.