التفاسير

< >
عرض

وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ
٦٥
-الأعراف

محاسن التأويل

{ وَإِلَى عَادٍ } متعلق بمضمر، معطوف على قوله تعالى: { أرْسَلْنا } في قصة نوح. أي: وأرسلنا إلى عاد، وهي قبيلة كانت تعبد الأصنام، وكانت ذات بسطة وقوة، قهروا الناس بفضل القوة.
قال الشهاب: عاد إسم أبيهم، سميت به القبيلة أو الحيّ فيجوز صرفه وعدمه، كثمود - كما ذكره سيبويه -.
قال الليث: وعاد الأولى، وهم عاد بن عاديا بن سام بن نوح الذين أهلكهم الله.
قال زهير:

وأهلك لقمان بن عاد وعاديا

وأما عاد الأخيرة، فهو بنو تميم، ينزلون رمال عالج.
وفي " كتاب الأنساب ": عاد هو ابن عوص بن إرم بن سام بن نوح، كان يعبد القمر، ويقال إنه رأى من صلبه وأولاد أولاده أربعة آلاف، وأنه نكح ألف جارية، وكانت بلادهم إرم المذكورة في القرآن، وهي من عُمان إلى حضرموت. ومن أولاده شَدَّاد بن عاد صاحب المدينة المذكورة، كذا في " تاج العروس ".
وقال ابن عرفة: قوم عاد كانت منازلهم في الرمال وهي الأحقاف. وقال ابن إسحاق: الأحقاف رمل فيما بين عُمان إلى حضرموت.
وقوله تعالى: { أَخَاهُمْ هُوداً } أي: أخاهم في النسب، لأنه منهم، في قول النسابين. وقيل: الناس كلهم إخوة في النسب، لأنهم ولد آدم وحواء، فالمراد صاحبهم، وواحد في جملتهم، كما يقال: يا أخا العرب، للواحد منهم، وإنما أرسل منهم، لأنهم أفهم لقوله من قول غيره، وأعرف بحاله في صدقه وأمانته وشرف أصله، وأرغب في اقتفائه.
قال الشهاب: اشتهر أن هوداً عربي، وظاهر كلام سيبويه أنه أعجمي، ويشهد له ما قيل: إن أول العرب يعرب. انتهى.
وهود هو على ما قال ابن إسحاق: ابن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح ويقال غير ذلك - والله أعلم.
وروى ابن إسحاق بن عامر بن واثلة، قال: سمعت علياً يقول لرجل من حضرموت: هل رأيت كثيباً أحمر يخالطه مَدرَةٌ حمراء، ذا أراكٍ وسدرٍ كثير، بناحية كذا وكذا، من أرض حضرموت، هل رأيته؟ قال: نعم، يا أمير المؤمنين! والله إنك لتنعته نعت رجل قد رآه! قال: لا، ولكني قد حُدِّثت عنه، فقال الحضرمي: وما شأنه يا أمير المؤمنين؟ قال: فيه قبر هود عليه السلام - ورواه ابن جرير -. قال ابن كثير: وهذا فيه فائدة أن مساكنهم كانت باليمن، فإذا هوداً عليه السلام دفن هناك. وقال: إنهم كانوا يأوون إلى العُمُد في البر، كما قال تعالى:
{ { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ } [الفجر: 6-8]، وذلك لشدة بأسهم وقوتهم، كما قال تعالى: { { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ } [فصلت: 15]، ولذا دعاهم هود عليه السلام إلى عبادة الله وحده، لا شريك له، وإلى طاعته وتقواه.
كما قال تعالى: { قَالَ } أي: هود: { يَا قَوْمِ } أي: الذين حقهم أن يكونوا مثلي: { اعْبُدُواْ اللّهَ } أي: وحده: { مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } أي: تخافون عذابه.