{ وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ } أي: المسلمون العاملون بطاعة الله { وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ } أي: قوم دون ذلك، وهم المقتصدون في الصلاح غير الكاملين فيه، أو الكافرون { كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً } أي: أهواء مختلفة، وفرقاً شتى. وهذا بيان للقسمة قبلُ. أي: كنا مثلها أو ذويها. و الطرائق: جمع طريقة، وهي طريقة الرجل ومذهبه. و القدد الضروب والأجناس المختلفة، جمع قدّة كالقطعة.
{ وَأَنَّا ظَنَنَّا } أي: علمنا { أَن لَّن نُّعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ } أي: إن أراد بنا سوءاً { وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } أي: إن طلبنا.
قال الزمخشريّ: هذه صفة أحوال الجن، وما هم عليه من أحوالهم وعقائدهم، منهم أخيار وأشرار، ومقتصدون، وأنهم يعتقدون أن الله عز وجل عزيز غالب لا يفوته مطلب، ولا يُنجي عنه مهرب.
{ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى } أي: القرآن الذي يهدي إلى الطريق المستقيم { آمَنَّا بِهِ } أي: صدّقنا بأنه حق من عند الله، { فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً } أي: أن ينقص من حسناته فلا يجازى عليها { وَلَا رَهَقاً } أي: أن ترهقه ذّلة، وتلحقه هيئة معذبة موجبة للخسوء والطرد. يعني: أنه يجزى الجزاء الأوفى، وتكون له في العز العاقبة الحسنى.
{ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ } أي: الكافرون الجائرون عن طريق الحق، { فَمَنْ أَسْلَمَ } أي: أذعن وانقاد { فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً } أي: ترجّوا وتوخوا رشداً عظيماً، وقصدوا صواباً واستقامة. وقوله: { فَمَنْ أَسْلَمَ } إلخ من كلام الله أو الجن. قال الزمخشريّ: وقد زعم من لا يرى للجن ثواباً، أن الله تعالى أوعد قاسطيهم، وما وعد مسلميهم، وكفى به وعداً أن قال: { فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً } فذكر سبب الثواب وموجبه. والله أعدل من أن يعاقب القاسط، ولا يثيب الراشد.
{ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً } أي: توقد بهم، كما توقد بكفار الإنس.
{ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا } أي: الجن أو الإنس أو كلاهما { عَلَى الطَّرِيقَةِ } أي: طريقة الحق والعدل { لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً } أي: لوسعنا عليهم الرزق. وإنما تجوز بالماء الغدق - وهو الكثير - عما ذكر؛ لأنه أصل المعاش وسعة الرزق، ولعزة وجوده بين العرب، أو لأن غيره يعلم منه بالأولى { لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أي: لنختبرهم فيه كيف يشكرون ما خولوا منه.
{ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ } أي: عبادته أو موعظته { يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } أي: شديداً شاقاً.
قال الزمخشري: الصعد: مصدر صعد، يقال: صعد صعداً وصعوداً، فوصف به العذاب لأنه يتصعد المعذب، أي: يعلوه ويغلبه فلا يطيقه.