التفاسير

< >
عرض

وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً
١١
وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً
١٢
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً
١٣
وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً
١٤
وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً
١٥
وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً
١٦
لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً
١٧
-الجن

محاسن التأويل

{ وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ } أي: المسلمون العاملون بطاعة الله { وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ } أي: قوم دون ذلك، وهم المقتصدون في الصلاح غير الكاملين فيه، أو الكافرون { كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً } أي: أهواء مختلفة، وفرقاً شتى. وهذا بيان للقسمة قبلُ. أي: كنا مثلها أو ذويها. و الطرائق: جمع طريقة، وهي طريقة الرجل ومذهبه. و القدد الضروب والأجناس المختلفة، جمع قدّة كالقطعة.
{ وَأَنَّا ظَنَنَّا } أي: علمنا { أَن لَّن نُّعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ } أي: إن أراد بنا سوءاً { وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } أي: إن طلبنا.
قال الزمخشريّ: هذه صفة أحوال الجن، وما هم عليه من أحوالهم وعقائدهم، منهم أخيار وأشرار، ومقتصدون، وأنهم يعتقدون أن الله عز وجل عزيز غالب لا يفوته مطلب، ولا يُنجي عنه مهرب.
{ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى } أي: القرآن الذي يهدي إلى الطريق المستقيم { آمَنَّا بِهِ } أي: صدّقنا بأنه حق من عند الله، { فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً } أي: أن ينقص من حسناته فلا يجازى عليها { وَلَا رَهَقاً } أي: أن ترهقه ذّلة، وتلحقه هيئة معذبة موجبة للخسوء والطرد. يعني: أنه يجزى الجزاء الأوفى، وتكون له في العز العاقبة الحسنى.
{ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ } أي: الكافرون الجائرون عن طريق الحق، { فَمَنْ أَسْلَمَ } أي: أذعن وانقاد { فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً } أي: ترجّوا وتوخوا رشداً عظيماً، وقصدوا صواباً واستقامة. وقوله: { فَمَنْ أَسْلَمَ } إلخ من كلام الله أو الجن. قال الزمخشريّ: وقد زعم من لا يرى للجن ثواباً، أن الله تعالى أوعد قاسطيهم، وما وعد مسلميهم، وكفى به وعداً أن قال: { فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً } فذكر سبب الثواب وموجبه. والله أعدل من أن يعاقب القاسط، ولا يثيب الراشد.
{ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً } أي: توقد بهم، كما توقد بكفار الإنس.
{ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا } أي: الجن أو الإنس أو كلاهما { عَلَى الطَّرِيقَةِ } أي: طريقة الحق والعدل { لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً } أي: لوسعنا عليهم الرزق. وإنما تجوز بالماء الغدق - وهو الكثير - عما ذكر؛ لأنه أصل المعاش وسعة الرزق، ولعزة وجوده بين العرب، أو لأن غيره يعلم منه بالأولى { لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أي: لنختبرهم فيه كيف يشكرون ما خولوا منه.
{ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ } أي: عبادته أو موعظته { يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } أي: شديداً شاقاً.
قال الزمخشري: الصعد: مصدر صعد، يقال: صعد صعداً وصعوداً، فوصف به العذاب لأنه يتصعد المعذب، أي: يعلوه ويغلبه فلا يطيقه.