التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ
١
قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً
٢
نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً
٣
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً
٤
-المزمل

محاسن التأويل

{ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ } أي: المتزمل. من تزمل بثيابه إذا تلفف بها. فأدغم التاء في الزّاي؛ خوطب صلى الله عليه وسلم بحكاية حاله وقت نزول الوحي، ملاطفة وتأنيساً وتنشيطاً للتشمر لقيام الليل، وقيل: معناه المتحمل أعباء النبوة، من تزمل الزِّمْل، إذا تحمل الحمل؛ ففيه استعارة، شَّبه إجراء التبليغ بتحمل الحمل الثقيل، بجامع المشقة.
قال الشهاب: وأورد عليه أنه مع صحة المعنى الحقيقي، واعتضاده بالأحاديث الصحيحة، لا وجه لادعاء التجوز فيه.
وقد يجاب بأن الأحاديث رويت في نزول سورة المدثر، لا في هذه السورة، كما سيأتي إن شاء الله، إلا أن يقال: هما بمعنى واحد.
{ قُمِ اللَّيْلَ } أي: فيه للصلاة، ودع التزمُّل للهجوع { إِلاَّ قَلِيلاً } أي: بحكم الضرورة للاستراحة، ومصالح البدن التي لا يمكن بقاؤه بدونها.
ثم بيّن تعالى قدر القيام مخيراً له بقوله: { نِصْفَهُ } أي: نصف الليل بدل من الليل.
{ أَوِ انقُصْ مِنْهُ } أي: من النصف { قَلِيلاً } أي: إلى الثلث.
{ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } أي: النصف إلى الثلثين، والمقصود التخيير بين قيام النصف وما فوقه وما دونه. ولا يقال: كيف يكون النصف قليلاً وهو مساوٍ للنصف الآخر؟ لأن القلة بالنسبة إلى الكل، لا إلى عديله.
{ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } أي: بيّنه تبييناً، وترسّل فيه ترسلاً.
قال الزمخشري: ترتيل القرآن قراءته على ترسل وتؤده، بتبيين الحرف، وإشباع الحركات، حتى يجيء المتلوّ منه شبيهاً بالثغر المرتل، وهو المفلج المشبه بنور الأقحوان، وأن لا يهذّه هذّاً، ولا يسرده سرداً.
تنبيه:
قال السيوطي: في الآية استحباب ترتيل القراءة، وأنه أفضل من الهذّ به، وهو واضح.
وقد ثبت في السُّنة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقطع قراءته آية آية، وأنها كانت مفسرة حرفاً حرفاً، وأنه كان يقف على رؤوس الآي.
واستدل بالآية على أن الترتيل والتدبُّر، مع قلة القراءة أفضل من سرعة القراءة مع كثرتها، لأن المقصود من القرآن فهمه وتدبُّره، والفقه فيه، والعمل به.
قال ابن مسعود: لا تهذُّوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هَمّ أحدكم آخر السورة.