التفاسير

< >
عرض

كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ
٢٦
وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ
٢٧
وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ
٢٨
وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ
٢٩
إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ
٣٠
-القيامة

محاسن التأويل

{ كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ } أي: بلغت النفس أعالي الصدر. وإضمارها - وإن لم يجر لها ذكر - لدلالة السياق عليها، كقول حاتم:

أماويّ مَا يُغْني الثَّراءُ عَنِ الفَتَى إذا حَشرَجَتْ يَوْمَاً وَضاقَ بِها الصدَّرُ

قال الرازي: يكنى ببلوغ النفس التراقي، عن القرب من الموت، ومنه قول دريد ابن الصمة:

ورب عظيمة دافعتُ عنها وقد بلَغَتْ نفوسُهُمُ التَّراقِي

ونظيره قوله تعالى: { { فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ } [الواقعة: 83] { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } قال ابن جرير: أي: وقال أهله: من ذا يَرقيه ليشفيه مما قد نزل به، وطلبوا له الأطباء والمداويين، فلم يغنوا عنه من أمر الله الذي قد نزل به شيئاً. أي: فالاستفهام بمعنى الطلب لراقٍ أو طبيب. وجوز كونه بمعنى الإنكار، يأساً من أن يقدر أحد على نفعه برقية أو عوذة.
لطيفة:
قال الواحدي: إن إظهار النون عند حروف الفم لحن، فلا يجوز إظهار نون { مَنْ } في قوله: { مَنْ رَاقٍ } وروى حفص بن عاصم إظهار النون في قوله: { مَنْ رَاقٍ } و { بَلْ رَانَ } قال أبو علي الفارسي: ولا أعرف وجه ذلك. قال الواحدي: والوجه أن يقال: قصد الوقف على { مَنْ } و { بَلَ } فأظهرهما، ثم ابتدأ بما بعدهما. وهذا غير مرضي من القراءة. انتهى.
نقله الرازي.
{ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ } أي: وأيقن الذي قد نزل ذلك به أنه فراق الدنيا والأهل والمال.
{ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ } أي: الْتوَت ساقه بساقه، فلا يقدر على تحريكها. وقيل: هما ساقاه، إذا التفتا في الكفن. وقيل: الساق عبارة عن الشدة، كما مر في سورة القلم. والتعريف للعهد أيضاً.
قال الشهاب: فإن قلت: ما مرّ هو الكشف عن الساق، ووجه ظاهر، لأن المصاب يكشف عن ساقه، فكيف ينزل هذا عليه؟
قلت: الأمر كما ذكرت، لكنه شاع فيه، ففهم ذلك من السياق وحده، حتى صار عبارة عن كل أمر فظيع، كما أشار إليه الراغب، انتهى. { إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ } أي: سوقه إلى حكمه تعالى.