التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً
٢٥
أَحْيَآءً وَأَمْوٰتاً
٢٦
-المرسلات

محاسن التأويل

{ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاء وَأَمْوَاتاً } قال ابن جرير: أي: وعاء. تقول: هذا كفْتُ هذا وَكَفِيتُهُ إذا كان وعاءهُ. والمعنى: ألم نجعل الأرض كفات أحيائكم وأمواتكم، تكفت أحياءكم في المساكن والمنازل فتضمهم فيها وتجمعهم، وأمواتكم في بطونها في القبور فيدفنون فيها؟ وجائز أن يكون عنى بقوله: { كِفَاتاً أَحْيَاء وَأَمْوَاتاً } تَكْفِتُ أذاهُم في حال حياتهم، وجِيَفَهُمْ بعد مماتهم. انتهى.
و الكفات إما اسم جنس لما يضم ويقبض، يقال: كفَتَهُ اللَّهُ إليه أي: قبضه؛ ولذلك سميت المقبرة كَفتَةً وِكِفاتاً. ومنه الضمام والجماع، لما يضم ويجمع. يقال: هذا الباب جماع الأبواب.
وإما اسم آلة؛ لأن فعالاً كثر فيه ذلك. أو مصدر كقتال أَوِّل بالمشتق ونعت به، كرجل عدل. أو جمع كافت كصائم وصيام. أو كِفْت بكسر فسكون كقدح وقداح.
و { كِفَاتاً } منصوب على أنه مفعول ثان لـ: { نَجْعَلِ } أنها للتصيير، و { أَحْيَاء وَأَمْوَاتاً } منصوبان على أنهما مفعولان به لـ: { كِفَاتاً } قال الشهاب: وهذا ظاهر على كون { كِفَاتاً } مصدراً أو جمع كافت، لا على كونه اسم آلة فإنه لا يعمل، كما صرح به النحاة، وحينئذ فيقدر فعل ينصبه من لفظهِ، كما صرح به ابن مالك في كل منصوب بعد اسم غير عامل. وثمة وجوه أخر.
تنبيه:
في "الإكليل": قال الكيا الهراسي: عنى بالكفات الانضمام، ومراده أنها تضمهم في الحالتين، وهذا يدل على وجوب مواراة الميت فلا يرى منه شيء. وقال ابن عبد البّر: احتج ابن القاسم في قطع النباش بهذه الآية؛ لأنه تعالى جعل القبر للميت كالبيت للحيّ، فيكون حرزاً. انتهى.
ونقله القفّال عن ربيعة. وعندي أن مثل هذا الاحتجاج من الإغراق في الاستنباط وتكلف التماس ما يؤيد المذهب المتبوع كيفما كان، مما يعد تعسُّفاً وتعصُّباً، وبين فحوى الآية وهذا الاستنباط ما بين المنجد والمتهم. ومثله أخذ بعضهم من الآية السابقة { لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ } تأجيل القضاة الخصوم في الحكومات، ليقع فصل القضاء عند تمام التأجيل، كما نقله في"الإكليل"عن ابن الفَرَس. ومآخذ الدين والتشريع ليست من الأحاجي والمعميات. وبالله التوفيق.