{ انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ } أي: فِرَق، وذلك دخان جهنم المرتفع من وقودها، إذا تصاعد تفرّق شعباً ثلاثاً، لعظمه.
قال الشهاب: فيه استعارة تهكمية لتشبيه ما يعلو من الدخان بالظل، وفيه إبداع، لأن الظل لا يعلو ذا الظل.
وقوله تعالى: { لَا ظَلِيلٍ } تهكم بهم؛ لأن الظل لا يكون إلا ظليلاً، أي: مظللاً؛ فنفيه عنه للدلالة على أن جعله ظلاً تهكم بهم، ولأنه ربما يتوهم أن فيه راحة لهم، فنفي هذا الاحتمال بقوله: { لَا ظَلِيلٍ } { وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ } أي: لا يردّ عنهم من لهب النار شيئاً. والمعنى أنه لا يظلهم من حرّها ولا يكنّهم من لهبها.
{ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ } أي: تقذف كل شررة كالقصر في عظمها، والقصر واحد القصور.
قال ابن جرير: العرب تشبّه الإبل بالقصور المبنية، كما قال الأخطل في صفة ناقة:
كأنها بُرْجُ رُومِيّ يُشَيدُهُ لُزَّ بِجِصٍّ وآجُرَّ وأحْجَارِ
ثم قال: وقيل: { بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ } ولم يقل: كالقصور. والشرر جمع، كما قيل:
{ سيهزم الجمع ويولون الدبر } ولم يقل: الأدبار لأن الدبر بمعنى الأدبار؛ وفعل ذلك توفيقاً بين رؤوس الآي ومقاطع الكلام؛ لأن العرب تفعل ذلك كذلك وبلسانها نزل القرآن.
{ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ } وقرئ: { جمالات } جمع جمال، جمع جمل، أو جمع جمالة، جمع جمل أيضاً، ونظيرهُ: رجال ورجالات، وبيوت وبيوتات، وحجارة وحجارات.
{ صُفْرٌ } أي: في لونها، فإن الشرار بما فيه من النارية يكون أصفر. وقيل: صفر أي: سود.
قال قتادة وغيره: أي: كالنوق السود، واختاره ابن جرير: زاعماً أنه المعروف من كلام العرب { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ } أي: بحجة، أو في وقت من أوقاته؛ لأنه يوم طويل ذو مواقف ومواقيت. أو جعل نطقهم كلا نطق، لأنه لا ينفع ولا يسمع فلا ينافي آية: { { وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23]، و: { { وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً } [النساء: 42]، و: { { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } [الزمر: 31] , { وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } أي: لا يمهد لهم الإذن في الاعتذار، لعدم قبول معذرتهم بقيام الحجة عليهم. وإنما لم يقل: فيعتذروا؛ محافظة على رؤوس الآي. وقيل: هو معطوف على { يُؤْذَنُ } منخرط معه في سلك النفي، والمعنى: ولا يكون لهم إذن واعتذار متعقب له، من غير أن يجعل الاعتذار مسبباً عن الإذن.
{ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ } أي: الحق بين العباد { جَمَعْنَاكُمْ } أي: حشرناكم فيه { وَالْأَوَّلِينَ } أي: من الأمم الهالكة.
{ فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ } أي: احتيال للتخلص من العذاب { فَكِيدُونِ } أي: فاحتالوا له.
قال الزمخشري: تقريع لهم على كيدهم لدين الله وذويه، وتسجيل عليهم بالعجز والاستكانة.
{ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } أي: فإنه لا حيلة لهم في دفع العقاب.