التفاسير

< >
عرض

إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ
١١
-الأنفال

محاسن التأويل

{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ } أي: يلقي عليكم النوم للأمن الكائن منه تعالى مما حصل لكم من الخوف من كثرة عدوكم.
وقد كان أسهرهم الخوف، فألقى تعالى عليهم النوم فأمنوا واستراحوا. وكذلك فعل تعالى بهم يوم أُحُد، كما قال جل ذكره:
{ { ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ } [آل عمران: 154]، وقرئ: { يُغْشيكمَ } من الإغشاء، بمعنى التغشية والفاعل في الوجهين هو الله تعالى وقرئ: { يَغْشاكم } على إسناد الفعل إلى النعاس.
وفي الصحيح
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان يوم بدر في العريش مع الصديق رضي الله عنه، وهما يدعوان، أخذت رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة من النوم، ثم استيقظ متبسماً، فقال: أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل، على ثغاياه النقع . ثم خرج من باب العريش، وهو يتلوا { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ } [القمر: 45]" .
ثم ذكرّهم تعالى منة أخرى تدل على نصره إياه بقوله سبحانه: { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ } أي: من الحدث الأصغر والأكبر، وهو تطهير الظاهر { وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ } أي: وسوسته، بأنكم على هذا الرمل لا تتمكنون من المحاربة، ومع فقد الماء كيف تفعلون؟ فأزال تعالى بإنزاله، ذلك، فكان لهم به طهارة باطنة، فكملت لهم الطهارتان، أي: من وسوسة أو خاطر سيء، وهو تطهير الباطن: { وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ } أي: يقويها بالثقة، بالأمن وزوال الخوف. { وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ } أي: على الرمل. قال مجاهد: أنزل الله عليهم المطر، فأطفأ به الغبار، وتلبدت به الأرض، وطابت نفوسهم، وثبتت به أقدامهم.
قال الجشمي: قال القاضي: وهو أشبه بالظاهر. وقيل بالصبر وقوة القلب التي أفرغها عليهم، حتى ثبتوا لعدوهم. وقوله به، يرجع إلى الماء المنزل، أو إلى ما تقدم من البشارة والنصر.
ثم أشار تعالى إلى نعمة خفية أظهرها تعالى لهم ليشكروه عليها بقوله:
{ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي ... }.