التفاسير

< >
عرض

وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٢٥
-الأنفال

محاسن التأويل

{ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً } الفتنة: إما بمعنى الذنب كإقرار المنكر، وافتراق الكلمة والتكاسل في الجهاد وإما بمعنى العذاب. فإن أريد الذنب فإصابته بإصابة أثره، وإن أريد العذاب، فإصابته بنفسه. و: { لاَّ تُصِيبَنَّ } جواب للأمر، أي: إن إصابتكم لا تختص إصابتها بمن يباشر الظلم منكم، بل تشملهم وغيرهم بشؤم صحبتهم، وتعدي رذيلتهم إلى من يخالطهم، كقوله تعالى: { { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ } [الروم: 41]. قاله القاشانيّ.
وقد روى الإمام أحمد عن جرير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ما من قوم يعلم فيهم بالمعاصي هم أعز وأكثر ممن يعملون,ثم لم يغيروه، إلا عمهم الله بعقاب" .
وروي نحوه عن عدي بن عَميرة وحذيفة والنعمان وعائشة وأم سلمة. قال الكرخي: ولا يستشكل هذا بقوله تعالى: { وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }، لأن الناس إذا تظاهروا بالمنكر، فالواجب على كل من رآه أن يغيره، إذا كان قادراً على ذلك فإذا سكت فكلهم عصاة. هذا يفعله، وهذا برضاه. وقد جعل تعالى، بحكمته، الراضي بمنزلة العامل، فانتظم في العقوبة. انتهى.
وذكر القسطلاني: أن علامة الرضا بالمنكر عدم التألم من الخلل الذي يقع في الدين بفعل المعاصي، فلا يتحقق كون الْإِنْسَاْن كارهاً له، إلا إذا تألم للخلل الذي يقع في الدين، كما يتألم ويتوجع لفقد ماله أو ولده، فكل من لم يكن بهذه الحالة فهو راض بالمنكر، فتعمه العقوبة والمصيبة بهذا الإعتبار. انتهى.
وعن ابن عباس: أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم، فيعمهم الله بالعذاب { وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } أي: لمن يخالف أوامره.
ثم نبه تعالى عباده المؤمنين السابقين الأولين على نعمه عليهم، وإحسانه إليهم، حيث كانوا قليلين فكثرهم، مستضعفين خائفين فقواهم ونصرهم، ورزقهم من الطيبات، ليشكروه بدوام الطاعة، فقال سبحانه:
{ وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ... }.