التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ
٢٢
كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ
٢٣
فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ
٢٤
أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً
٢٥
ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً
٢٦
فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً
٢٧
وَعِنَباً وَقَضْباً
٢٨
وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً
٢٩
وَحَدَآئِقَ غُلْباً
٣٠
وَفَاكِهَةً وَأَبّاً
٣١
مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ
٣٢
-عبس

محاسن التأويل

{ ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ } أي: بعثه بعد مماته وأحياه؛ وإنما قال: { إِذَا شَاء } لأن وقت البعث غير معلوم لأحد، فهو مَوكُول إلى مشيئته تعالى، متى شاء أن يحيي الخلق أحياهم.
قال الشهاب: وتخصيص النشور به دون الإماتة والإقبار، لأن وقتهما معين إجمالاً، على ما هو المعهود في الأعمار الطبيعية. { كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ } قال ابن جرير: أي: ليس الأمر كما يقول الْإِنْسَاْن الكافر، من أنه قد أدّى حقَّ الله عليه في نفسه وماله، فإنه لمّا يؤد ما فرَض عليه من الفرائض ربُّهُ.
وقال القاشاني: لمَّا بين أن القرآن تذكرة للمتذكرين تعجَّب من كفران الْإِنْسَاْن واحتجابه حتى يحتاج إلى التذكير. وعدد النِّعم الظاهرة التي يمكن بها الاستدلال على المنعم بالحس، من مبادئ خلقته، وأحواله في نفسه، وما هو خارج عنه مما لا يمكن حياته إلا به. وقرر أنه مع اجتماع الدليلين، أي: النظر في هذه الأحوال الموجب لمعرفة الموجد المنعم والقيام بشكره، وسماع الوعظ والتذكير بنزول القرآن، لما يقض في الزمان المتطاول ما أمره الله به من شكر نعمته، باستعمالها في إخراج كماله إلى الفعل، والتوصل بها إلى المنعم، بل احتجب بها وبنفسه عنه. انتهى.
ولما فصل تعالى النعم المتعلقة بحدوثه، تأثرها بتعداد النعم المتعلقة ببقائه.
فقال سبحانه: { فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ } أي: فإن لم يشهد خلق ذاته، وعمي عن الآيات في نفسه، وأصر على جحوده توحيدَ ربِّه، فلينظر إلى طعامه ومأكله الذي هو أقرب الأشياء لديه. ماذا صنعنا في إحدائه وتهيئته لأنْ يكون غذاءً صالحاً. وقوله تعالى: { أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء } أي: من المُزن { صَبّاً } أي: شديداً ظاهراً. وقد قرئ بكسر همزة إنا، على الاستئناف المبيِّن لكيفية حدوث الطعام، وبالفتح على البدلية، بدل اشتمال، بمعنى سببية الأول للثاني أو تقوم الثاني بالأول. فهو من اشتمال الثاني عليه أو بدل كلّ، ادّعاءً.
{ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً } أي: صدَعْناها بالنبات، أو شققنا أجزاءها بعد الريّ ليتخلل الهواء والضباء في جوفها.
{ فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً } يعني حَبَّ الزرع، وهو كل ما حصد من نحو الحنطة والشعير وغيرهما من الحبوب.
{ وَعِنَباً وَقَضْباً } وهو كل ما أكل من النبات رطباً، كالقثاء والخيار ونحوهما. سمي قضباً لأنه يقضب، أي: يقطع مرة بعد أخرى.
{ وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ } جمع حديقة وهي البساتين ذوات الأشجار المثمرة، عليها حوائط تحيط بها { غُلْباً } جمع غَلباء، أي: ضخمة عظيمة، وعِظمها إما لاتساعها البالغ حدَّ البصر، أو لغلظ أشجارها وتكاثفها والتفافها.
{ وَفَاكِهَةً } أي: ما يؤكل من ثمار الأشجار { وَأَبّاً } وهو المَرعى الذي تأكله البهائم من العُشب والنبات.
{ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ } أي: تمتيعاً. مفعول له لـ: أنبتنا، أو مصدر حذف فعله وجُرِدَ من الزوائد، أي: متعكم بذلك متاعاً، وجعلكم تنتفعون به أنتم وأنعامكم.