التفاسير

< >
عرض

كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ
٩
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ
١٠
كِرَاماً كَاتِبِينَ
١١
يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ
١٢
-الانفطار

محاسن التأويل

{ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ } قال الإمام: أي: لا شيء يغرك ويخدعك، بل إن سعة عطاء ربك و حكمته في كرمه، تدلك وتوحي إلى نفسك أنك مبعوث في يوم آخر لثواب أو عقاب، وإنما الذي يقع منك أيها الْإِنْسَاْن هو العناد والتكذيب بالدين، أي: الجزاء، أي: الانصراف عمداً وعناداً عما يدعو إليه الشعور الأول، وعن الدليل الذي تقيمه الرسل، والحجة التي يأتي بها الأنبياء، مع أن الله تعالى لم يترك عملاً من أعمالك إلا حفظه وأحصاه عليك حتى يوفيك جزاءه كما قال: { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ } أي: رقباء يحفظون أعمالكم ويحصونها عليكم { كِرَاماً كَاتِبِينَ } أي: يكتبون ما تقولون.
{ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } أي: من خير أو شر، أي: يحصونه عليكم، فلا يغفلون ولا ينسون.
قال الرازيّ: أن الله تعالى أجرى أموره مع عباده على ما يتعاملون به فيما بينهم؛ لأن ذلك أبلغ في تقرير المعنى عندهم، ولمّا كان الأبلغ عندهم في المحاسبة إخراج كتاب بشهود، خوطبوا بمثل هذا فيما يحاسبون به يوم القيامة فيَخرج لهم كتب منشورة، ويَحضر هناك ملائكة يشهدون عليهم، كما يشهد عدول السلطان على من يعصيه ويخالف أمره، فيقولون له: أعطاك الملك كذا وكذا، وفعل بك كذا وكذا، ثم قد خالفته وفعلت كذا وكذا. فكذا ها هنا. والله أعلم بحقيقة ذلك. انتهى.
ولا يخفى أن الحفظة الكرام وعملهم، من الغيب الذي لا يمكن اكتناهه؛ فيجب الإيمان به، كما ورد مع تفويض كنهه إلى بارئه تعالى. ومن الفضول في العلم التوسع فيما لا يدرك بالنظر وتسويد وجوه الصحف بها. وبالله سبحانه التوفيق.