التفاسير

< >
عرض

إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ
١
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ
٢
وَإِذَا ٱلأَرْضُ مُدَّتْ
٣
وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ
٤
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ
٥
-الانشقاق

محاسن التأويل

{ إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ } أي: انصدعت وتقطعت كما تقدم في قوله: { { إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ } [الانفطار: 1] , { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } أي: سمعت له في تصدعها وتشققها، وهو مجاز عن الانقياد والطاعة. والمعنى أنها انقادت لتأثير قدرته حين أراد انشقاقها، انقياد المطوع الذي يستمع للآمر ويذعن له. قال ابن جرير: العرب تقول: أذن لك في هذا أذناً، بمعنى استمع لك. ومنه الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أذن الله لشيء ما أذن لنبيٍّ يتغنى بالقرآن" . يعني ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبيّ يتغنى بالقرآن. ومنه قول الشاعر:

صُمٌّ إذَا سَمِعُوا خَيْراً ذكرتُ به وإن ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عندهم أَذِنُوا

ومعنى قوله تعالى: { وَحُقَّتْ } أي: حق لها ووجب أن تنقاد لأمر القادر ولا تمتنع، وهي حقيقة بالانقياد لأنها مخلوقة له في قبضة تصرفهُ. قال المعرب: الأصل حق الله طاعتها، ولما كان الإسناد في الآية إلى السماء نفسها، والتقدير: وحقت هي، كان أصل الكلام على تقدير مضاف في الضمير المستكنّ في الفعل، أي: وحق سماعها وطاعتها، فحذف المضاف، ثم أسند الفعل إلى ضميره، ثم استتر فيه { وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ } أي: بسطت وجعلت مستوية، وذلك بنسف جبالها وآكامها كما قال: { { قَاعاً صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً } [طه: 106 - 107]، ولذا قال ابن عباس: مدت مدَّ الأديم العكاظيّ؛ لأن الأديم إذا مدّ زال كل انثناء فيه واستوى.
{ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا } أي: ما في جوفها من الكنوز والأموات { وَتَخَلَّتْ } أي: وخلت غاية الخلوّ, حتى لم يبق شيء في باطنها، كأنها تكلفت أقصى جهدها في الخلوّ { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } أي: انقادت له في التخلية، وحق لها ذلك؛ وإعادة الآية للتنبيه على أن ذلك تحت سلطان الجلال الإلهي وقهره ومشيئته. وجواب { إِذَا } محذوف للتهويل بالإبهام، أي: كان ما كان مما لا يفي به البيانُ، أو لاقى الْإِنْسَاْن كدحه، كما قال:{ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ.... }.