التفاسير

< >
عرض

كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ
١٧
وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ
١٨
وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً
١٩
وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً
٢٠
-الفجر

محاسن التأويل

وقوله تعالى: { كَلَّا } ردع عن قولية في حاليه، أعني اعتقاد الإكرام في الإعطاء، والإهانة في المنع، بل لطلب الشكر، وهو صرف النعم إلى ما خلقت له، وإعطاء المال لذويه، وأحقهم الأيتام وهم لا يفعلونه، كما قال: { بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ } وهو من فقد كافله ومربيه، فإن من آكد الواجبات القيام على تأديبه وكفالته، صوناً إذا أهمل من فساد طبيعته وعيثه بالضرر في أهل جبلته. ومثلهُ التحاضّ على مواساة البؤساء، وهؤلاء المنعي عليهم ضلالهم في غفلة عنه، كما قال: { وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ } أي: لا يحض بعضكم بعضاً عليه ولا يتواصى به.
قال الإمام: وإنما ذكر التحاض على الطعام، ولم يكتف بالإطعام فيقول: لم تطعموا المسكين؛ ليصرح لك بالبيان الجلي أن أفراد الأمة متكافلون، وأنه يجب أن يكون لبعضهم على بعض عطف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع التزام كلٍّ لما يأمر به، وابتعاده عما ينهى عنه.
لطيفة:
قال القاشاني: في دلالة قوله تعالى: { فَأَمَّا الْإِنْسَاْن } أي: الْإِنْسَاْن يجب أن يكون في مقام الشكر أو الصبر بحكم الإيمان، لحديث:
"الإيمان نصفان نصف: صبر، ونصف شكر" لأن الله تعالى إما يبتليه بالنعم والرخاء، فعليه أن يشكره باستعمال نعمته فيما ينبغي من إكرام اليتيم وإطعام المسكين وسائر مراضيه. ولا يكفر نعمته بالبطر والافتخار فيقول: أن الله أكرمني لاستحقاقي وكرامتي عنده، ويترفهُ في الأكل ويحتجب بمحبة المال وبمنع المستحقين، أو بالفقر وضيق الرزق فيجب عليه أن يصبر ولا يجزع ولا يقول: إن الله أهانني، فربما كان ذلك إكراماً له بأن لا يشغلهُ بالنعمة عن المنعم، ويجعل ذلك وسيلة له في التوجه إلى الحق والسلوك في طريقه لعدم التعلق، كما أن الأول ربما كان استدراجاً منه. انتهى.
{ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً } قال ابن جرير: أي: تأكلون الميراث أكلاً شديداً، لا تتركون منه شيئاً. من قولهم: لممت ما على الخوان أجمعُ فأنا ألمهُ لماًَّ، إذا: أكلت ما عليه فأتيت على جميعه.
قال ابن زيد: كانوا لا يورثّون النساء ولا يورّثون الصغار، وقرأ:
{ { يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ } [النساء: 127]، أي: لا تورثوهن أيضاً. وقال بكر بن عبد الله: اللمُّ: الاعتداء في الميراث، يأكل ميراثه وغيره.
{ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً } أي: جمعه وكنزه، حباً كثيراً شديداً.