التفاسير

< >
عرض

وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ
٦
-التوبة

محاسن التأويل

{ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ }: أي: وإن استجارك أحد من المشركين الذين أمرت بقتالهم، أي: استأمنك بعد انقضاء أشهر العهد، فأجبه إلى طلبته حتى يسمع كلام الله، أي: القرآن الذي تقرؤه عليه، ويتدبره، ويطلع على حقيقة الأمر، وتقوم عليه حجة الله به، فإن أسلم ثبت له ما للمسلمين، وإن أبى فإنه يردّ إلى مأمنه، وداره [في المطبوع: دراه] التي يأمن فيها، ثم قاتله إن شئت. وقوله تعالى: { ذَلِكَ } يعني الأمر بالإجارة وإبلاغ المأمن، بسبب أنهم قوم لا يعلمون، أي: جهلة، فلا بد من إعطائهم الأمان حتى يسمعوا ويفهموا الحق، ولا يبقى لهم معذرة.
تنبيهات
الأول: دلت الآية على أن المستأمن لا يؤذى، وأنه يمكّن من العود من غير غدر به ولا خيانة، ولذا ورد في الترهيب من عدم الوفاء بالعهد والغدر ما يزجر أشد الزجر. فروى البخاري في " تاريخه " والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" من أمّن رجلاً على دمه فقتله، فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافراً " .
وروى أحمد والشيخان عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة " .
قال ابن كثير: من قدم من دار الحرب إلى دار الإسلام، في أداء رسالة أو تجارة، أو طلب صلح أو مهادنة، أو حمل جزية، أو نحو ذلك من الأسباب، وطلب من الإمام أو نائبه أماناً أعطي، ما دام متردداً في دار الإسلام، إلى أن يرجع إلى مأمنه ووطنه.
قال الحاكم: وإنما يجار ويؤمّن إذا لم يعلم أنه يطلب الخداع والمكر، لأنه تعالى علل لزوم الإجارة بقوله: { حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ }.
الثاني: قال الحاكم: تدل الآية على أنه يجوز للكافر دخول المسجد لسماع كلام الله.
الثالث: استدل بهذه الآية من ذهب إلى كلام الله بحرف وصوت قديمين، وهم الحنابلة، ومن وافقهم كالعضد. قالوا: لأن منطوق الآية يدل على أن كلام الله يسمعه الكافر والمؤمن والزنديق والصديق، والذي يسمعه جمهور الخلق ليس إلا هذه الحروف والأصوات. فدل ذلك على أن كلام الله ليس هذه الحروف والأصوات، والقول بأن كلام الله شيء مغاير لها باطل، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يشير بقوله كلام الله إلا لها، وقد اعترف الرازي بقوة هذا، لإلزام من خالف فيه، وقد مضى لنا في قوله تعالى:
{ { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً } [النساء: 164] في آخر سورة النساء، فارجع إليه.
الرابع: قال الرازي: دلت الآية على أن التقليد غير كاف في الدين، وأنه لا بد من النظر والإستدلال، وذلك لأنه لو كان التقليد كافياً، لوجب أن لا يمهل هذا الكافر، بل يقال له: إما أن تؤمن، وإما أن نقتلك، فلما لم يُقل له ذلك، بل أمهل وأزيل الخوف عنه، ووجب تبليغه مأمنه، علم أن ذلك لأجل عدم كفاية التقليد في الدين، وأنه لا بد من الحجة والدليل، فلذا أمهل ليحصل لها النظر والإستدلال.
ثم بين تعالى حكمته في البراءة من المشركين، ونظرته إياهم أربعة أشهر، ثم بعدها السيف المرهف بقوله: