التفاسير

< >
عرض

وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا
١
وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا
٢
وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا
٣
وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا
٤
وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا
٥
وَٱلأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا
٦
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا
٧
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا
٨
-الشمس

محاسن التأويل

{ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } أي: ضوئها إذا أشرقت. قال الراغب: الضحى انبساط الشمس وامتداد النهار، وبه سمي الوقت. وحقيقته - كما قال الشهاب - تباعد الشمس عن الأفق المرئي وبروزها للناظرين، ثم صار حقيقة في وقته. وقال الإمام: يقسم بالشمس نفسها ظهرت أو غابت لأنها خلق عظيم؛ ويقسم بضوئها لأنه مبعث الحياة ومجلى الهداية في عالمها الفخيم. وهل كنت ترى حياً أو تبصر نامياً، أو هل كنت تجد نفسك، لولا ضياء الشمس، جلَّ مبدعهُ؟
{ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا } أي: تبع الشمس، قال الإمام: وذلك في الليالي البيض، من الليلة الثالثة عشرة من الشهر إلى السادسة عشرة. وهو قسم بالقمر عند امتلائه أو قربه مع الامتلاء؛ إذ يضيء الليل كله مع غروب الشمس إلى الفجر. وهو قسم في الحقيقة بالضياء في طور آخر من أطواره، وهو ظهوره وانتشاره الليل كله.
{ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا } أظهر الشمس. وذلك عند انتفاخ النهار وانبساطه؛ لأن الشمس تنجلي في ذلك الوقت تمام الانجلاء.
وفي هذه الأقسام كلها - كما قاله الإمام - إشارة إلى تعظيم أمر الضياء وإعظام قدر النعمة فيه ولفت أذهاننا إلى أنه من آيات الله الكبرى ونعمه العظمى، وفي قوله: { إِذَا جَلَّاهَا } بيان للحالة التي ينطق فيها النهار بتلك الحكمة الباهرة والآية الظاهرة، وهي حالة الصحو، أما يوم الغيم الذي لا تظهر فيه الشمس، فحاله أشبه بحال الليل الذي يقسم به في قوله: { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } أي: يغشى الشمس ويعرض دون ضوئها فيحجبه عن الأبصار. وذلك في ليالي الظلمة الحالكة المشار إليها بقوله في الآية المتقدمة:
{ { وَلَيَالٍ عَشْرٍ } [الفجر: 2]، على القول الأخير.
قال الإمام: ولقلة أوقات الظلمة عبَّر في جانبها بالمضارع لا مفيد للحاق الشيء وعروضه متأخراً عما هو أصل في نفسه. أما النهار فإنه يجلي الشمس دائماً من أوله إلى آخره؛ وذلك شأن له في ذاته، ولا ينفك عنه إلا لعارض كالغيم أو الكسوف قليل العروض.. ولهذا عبَّر في جانبه بالماضي المفيد لوقوع المعنى من فاعله، بدون إفادة أنه مما ينفك عنهُ.
{ وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا } أي: ومن رفعها، وصيّرها بما فيها من الكواكب، كالسقف أو القبة المحكمة الزينة المحيطة بنا. فـ { مَا } موصولة بمعنى من أوثرت لإرادة الوصفية، أي: والقادر الذي أبدع خلقها.
قالوا: وذكر { وَمَا بَنَاهَا } مع أن في ذكر { السَّمَاء } غنية عنهُ، للدلالة على إيجادها وموجدها صراحة.
{ وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا } أي: بسطها من كل جانب، لافتراشها وازدراعها والضرب في أكنافها.
قال الإمام: وليس في ذلك دليل على أن الأرض غير كروية، كما يزعم بعض الجاهلين، أي: بتحريفه الكلم عن معناه المراد منه.
{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } أي: خلقها فعدل خلقها ومزاجها، وأعدها لقبول الكمال: { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } أي: أفهمها إياهما، وأشعرها بهما، بالإلقاء الملكي والتمكين من معرفتهما، وحسن التقوى وقبح الفجور بالعقل الهيولاني.
لطيفة:
جوز في { مَا } كونها مصدرية في الكل، ولا يضرهُ خلو الأفعال من فاعل ظاهر ومضمر إذ لا مرجع له. وعطف الفعل على الاسم لأنه يكفي لصحة الإضمار دلالة السياق وهي موجودة هنا، وأن العطف على صلة { مَا } لا عليها مع صلتها. فكأنه قيل: ونفس تسويتها، فإلهامها إلخ. وعطف الفعل على الاسم ليس بفاسد. نعم في الوجه الأول توافق القرائن وهو أسدّ. وأما الثاني فوجه يتسع النظم الكريم لهُ. وأما تنكير { نَفْسٍ } فللتكثير أو التعظيم.