التفاسير

< >
عرض

وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ
١
وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ
٢
وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ
٣
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ
٤
-الليل

محاسن التأويل

{ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } أي: يغشى الشمس أو النهار بظلمته، فيذهب بذاك الضياء { وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى } أي: ظهر بزوال الليل أو تبينَ بطلوع الشمس.
قال الإمام: والتعبير في الغشيان بالمضارع، لما سبق من عروض الظلمة لأصل النور الذي هو أكمل مظاهر الوجود، حتى عبر به عن الوجود نفسه. أما تجلي النهار فهو لازم له. لهذا عبر عنهُ بالماضي كما سبق بيانه.
{ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى } أي: والقادر الذي خلق صنفي الذكر والأنثى من كل نوع له توالد. فـ: { مَا } موصولة بمعنى من، أوثرت لإرادة الوصفية، كما تقدم.
قال الإمام: وإنما أقسم بذاته بهذا العنوان، لما فيه من الإشعار بصفة العلم المحيط بدقائق المادة وما فيها، والإشارة إلى الإبداع في الصنع؛ إذ لا يعقل أن هذا التخالف بين الذكر والأنثى، في الحيوان، يحصل بمحض الاتفاق من طبيعة لا شعور لها بما تفعل، كما يزعم بعض الجاحدين، فإن الأجزاء الأصلية في المادة متساوية النسبة إلى كون الذكر أو كون الأنثى، فتكوين الولد من عناصر واحدة تارةً ذكراً وتارةً أنثى، دليل على أن واضع هذا النظام عالم بما يفعل، محكم فيما يضع ويصنع. انتهى.
وقوله: { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى } جواب القسم. أو هو مقدر، كما مر تفصيلهُ. أي: مختلف في جزائه. ومفرَّق في عاقبته. فمنه ما يسعد به الساعي ومنهُ ما يشقى به، فشتان ما بينهما، كما فصله بعد. و شتى إما جمع شتيت أو شت، بمعنى متفرق، والمصدر المضاف يفيد العموم. فيكون جمعاً معنى. ولذا أخبر عنه بـ: شتى وهو جمع. وفيه وجه آخر وهو أنه مفرد مصدر مؤنث كذكرى وبشرى. فهو بتقدير مضاف، أو مؤول، أو بجعله عين الافتراق، مبالغة.
قال الرازيّ: ويقرب من هذه قوله:
{ { لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ } [الحشر: 20]، وقوله: { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ } [السجدة: 18]، وقوله: { أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ } [الجاثية: 21].