التفاسير

< >
عرض

فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ
٥
وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ
٦
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ
٧
وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ
٨
وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ
٩
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ
١٠
وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ
١١
-الليل

محاسن التأويل

وقوله تعالى: { فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى } تفصيل لتلك المساعي الشتى، وتبيين لمآلها ما تقدم.
قال الرازيّ: وفي { أَعْطَى } وجهان:
أحدهما: أن يكون المراد إنفاق المال في جميع وجوه الخير من عتق الرقاب، وفك الأسارى وتقوية المسلمين على عدوّهم، كما كان يفعله أبو بكر، سواء كان ذلك واجباً أو نفلاً وإطلاق هذا كالإطلاق في قوله: { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } [البقرة: 3]، فإن المراد منه كل ما كان إنفاقاً في سبيل الله، سواء كان واجباً أو نفلاً. وقد مدح الله قوماً فقال:
{ { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } [الْإِنْسَاْن: 8]، وقال في آخر هذه السورة: { { وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَ ى *الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى } [الليل: 17 - 18] الآية.
وثانيهما: أن قوله: { أَعْطَى } يتناول إعطاء حقوق المال، وإعطاء حقوق النفس في طاعة الله تعالى. يقال: فلان أعطى الطاعة وأعطى السعة. انتهى.
إلا أن الأول هو المناسب للإعطاء؛ لأن المعروف فيه تعلقه بالمال خصوصاً وقد وقع في مقابلة ذكر البخل والمال { وَاتَّقَى } أي: ربه فاجتنب محارمه.
{ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى } أي: بالمثوبة الحسنى. قال قتادة: أي: صدق بموعود الله الحسن. وهو بمعنى قول مجاهد: إنها الجنة كما قال تعالى:
{ { وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً } [الشورى: 23]، فسمى مضاعفة الأجر حسنى. وقال القاشاني: أي: صدق بالفضيلة الحسنى التي هي مرتبة الكمال بالإيمان العلميّ، إذ لو لم يتيقن بوجود كمال كامل لم يمكنه الترقي.
{ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى } أي: فسنهيئه ونوفقه للطريقة اليسرى، التي هي السلوك في طريق الحق، لقوة يقينه.
قال الشهاب: ولما كانت مؤدية إلى اليسر، وهو الأمر السهل الذي يستريح به الناس وصفت بأنها يسرى، على أنه استعارة مصرحة أو مجاز مرسل أو تجوّز في الإسناد. { وَأَمَّا مَن بَخِلَ } أي: بالنفقة في سبيل الله، ومنع ما وهب الله له من فضله من صرفه في الوجوه التي أمر الله بصرفه فيها { وَّاسْتَغْنَى } أي: عن ربه فلم يرغب إليه بالعمل له بطاعته بالزيادة فيما خوّله، أو استغنى بماله عن كسب الفضيلة، وعمه به عن الحق.
{ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى } أي: بوجود المثوبة للحسنى لمن آمن بالحق، لاستغنائه بالحياة الدنيا واحتجابه بها عن عالم الآخرة.
{ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } أي: للطريقة العسرى المؤدية إلى الشقاء الأبديّ.
قال الإمام: الخطة العسرى هي الخطة التي يحط فيها الْإِنْسَاْن من نفسه، ويغض من حقها وينزل بها إلى حضيض البهيمية، ويغمسها في أوحال الخطيئة. وهي أعسر الخطتين على الْإِنْسَاْن، لأنه لا يجد معيناً عليها، لا من فطرته ولا من الناس.
{ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى } أي: وما يفيده ماله الذي تعب في تحصيله، وأفنى عمره في حفظه وبطر الحق لأجله، إذا هلك، من قولهم: تردى من الجبل وفي الهوة، وفي التعبير به إشارة إلى أنه بما قدمهُ من أعماله الخبيثة، هو المهلك والموقع لنفسه. وهو الحافر على حتفه بظلفه. و { مَا } نافية أو استفهام في معنى الإنكار. وقوله: { إِنَّ عَلَيْنَا... }.