التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ
٦
وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ
٧
وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ
٨
فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ
٩
وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ
١٠
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ
١١
-الضحى

محاسن التأويل

{ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى } قال أبو السعود: تعديد لما أفاض عليه من أول أمره إلى ذلك الوقت من فنون النعماء العظام، ليستشهد بالحاضر الموجود على المترقب الموعود فيطمئن قلبهُ وينشرح صدره. والهمزة لإنكار النفي وتقرير المنفيّ على أبلغ وجه، كأنه قيل: قد وجدك إلخ. والوجود بمعنى العلم.
روي
"أن أباه مات وهو جنين قد أتت عليه ستة أشهر، وماتت أمه وهو ابن ثمان سنين، فكفله عمه أبو طالب وعطَّفه الله عليه فأحسن تربيته" وذلك إيواؤه { وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى } أي: غافلاً عما أوحاه إليك من الهدى والفرقان، فهداك إليه وجعلك إماماً له، كما في آية: { { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ } [الشورى: 52].
قال الشهاب: فالضلال مستعار من: ضل في طريقه، إذا سلك طريقاً غير موصلة لمقصده لعدم ما يوصلهُ للعلوم النافعة، من طريق الاكتساب.
{ وَوَجَدَكَ عَائِلاً } أي: فقيراً { فَأَغْنَى } أي: فأغناك بمال خديجة الذي وهبتهُ إياهُ. أو بما حصل لك من ربح التجارة.
{ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ } فلا تغلبهُ على ماله فتذهب بحقه، استعطافاً منك له.
{ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ } قال ابن جرير: أي: وأما من سألك من ذي حاجة فلا تنهره، ولكن أطعمه واقض له حاجته، أي: لأن للسائل حقاً، كما قال تعالى:
{ { وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ* ل ِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } [المعارج: 24 - 25].
وقد ذهب الحسن - فيما نقله الرازي - إلى أن المراد من السائل من يسأل العلم، فيكون في مقابلة قوله تعالى: { وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى } وهكذا قال ابن كثير: أي: وكما كنت ضالاً فهداك الله، فلا تنهر السائل في العلم المسترشد. قال الإمام: ويؤيد هذا المعنى ما ورد في أحوال الذين كانوا يسألونه عليه الصلاة والسلام بيان ما يشتبه عليهم، فمنهم أهل الكتاب الممارون، ومنهم الأعراب الجفاة. ومنه من كان يسأل عما لا يسال عنه الأنبياء، فلا غرو أن يأمره الله بالرفق بهم، وينهاه عن نهرهم، كما عاتبهُ على التوليّ عن الأعمى السائل، في سورة عبس. انتهى.
{ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } أي: بشكرها وإظهار آثارها فيرغب فيما لديه منها، ويحرص على أن تصدر المحاويج عنها. وهذا هو سر الأمر بالتحدث بها. وفي الآية تنبيه على أدب عظيم وهو التصدي للتحدث بالنعمة وإشهارها، حرصاً على التفضل والجود والتخلق بالكرم، وفراراً من رذيلة الشح الذي رائده كتم النعمة والتمسكن والشكوى.
قال الإمام: من عادةالبخلاء أن يكتموا مالهم، لتقوم لهم الحجة في قبض أيديهم عن البذل، فلا تجدهم إلا شاكين من القل. أما الكرماء فلا يزالون يظهرون بالبذل ما آتاهم الله من فضله ويجهرون بالحمد لما أفاض عليهم من رزقه. فلهذا صح أن يجعل التحديث بالنعمة كناية عن البذل وإطعام الفقراء وإعانة المحتاجين. فهذا من قوله: { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } أي: إنك لما عرفت بنفسك ما يكون فيه الفقير، فأوسع في البذل على الفقراء. وليس القصد هو مجرد ذكر الثروة، فإن هذا من الفجفجة التي يتنزه عنها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعرف عنه في امتثال هذا الأمر أنه كان يذكر ما عنده من نقود وعروض، ولكن الذي عرف منه أنه كان "ينفق ما عنده ويبيت طاوياً". وقد يقال: أن المراد من النعمة النبوة، ولكن سياق الآيات يدل على أن هذه الآية مقابلة لقوله: { وَوَجَدَكَ عَائِلاً } فتكون النعمة بمعنى الغنى، ولو كانت بمعنى النبوة، لكانت مقابلة لقوله: { وَوَجَدَكَ ضَالّاً } وقد علمت الحق في مقابله. والله أعلم.