التفاسير

< >
عرض

أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ
٩
عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ
١٠
أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ
١١
أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ
١٢
أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ
١٣
أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ
١٤
-العلق

محاسن التأويل

{ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى } أي: يمنعه عن الصلاة. وعبر بالنهي إشارة إلى عدم اقتداره على غير ذلك.
قال ابن عطية: لم يختلف المفسرون في أن الناهي أبو جهل والعبد المصلي النبيُّ صلى الله عليه وسلم. كما روي في الصحيحين، ولفظ البخاري عن ابن عباس: قال أبو جهل: لئن رأيت محمداً يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
"لو فعله لأخذَته الملائكة" .
وفي الآية تقبيح وتشنيع لحال ذاك الكافر، وتعجيب منها وإيذان بأنها من الشناعة والغرابة بحيث يجب أن يراها كل من يتأتى منه الرؤية ويقضي منها العجب. ولفظ العبد وتنكيره، لتفخيمه عليه السلام، واستعظام النهي وتأكيد التعجب منه. وقيل: إنه من إرخاء العنان في الكلام المنصف، إذ قال: { يَنْهَى } ينهى ولم يقل: يؤذي، و: { عَبْداً } دون: نبياً، والرؤية هاهنا بصرية، وفيما بعدها قلبية. معناه: أخبرني. فإن الرؤية لما كانت سبباً للإخبار عن المرئي، أجرى الاستفهام عنها مجرى الاستخبار عن متعلقها. قاله أبو السعود.
وقال الإمام: كلمة أرأيت صارت تستعمل في معنى أخبرني، على أنها لا يقصد بها في مثل هذه الآية الاستخبار الحقيقيّ، ولكن يقصد بها إنكار المستخبر عنها وتقبيحها. فكأنه يقول: ما أسخف عقل هذا الذي يطغى به الكبر فينهى عبداً من عبيد الله عن صلاته، خصوصاً وهو في حالة أدائها.
وقوله: { أَرَأَيْتَ أن كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى } أي: أرأيت إن كان ذلك الناهي على طريقة سديدة فيما ينهى عنه من عبادة الله، أو كان آمراً بالمعروف والتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان، كما يعتقد ؟ وجواب الشرط محذوف دل عليه ما بعده، أي: ألم يعلم بأن الله يرى. وعليه فالضمائر كلها لـ: { الَّذِي يَنْهَى } وجوز عود الضمير المستتر في { كَانَ } للعبد المصلي. وكذا في { أَمَرَ } أي: أرايت الذي ينهى عبداً يصلي؟ والمنهيّ على الهدى آمر بالتقوى. والنهي مكذب متول، فما أعجب من هذا ! وذهب الإمامرحمه الله ، في تأويل الآية إلى معنى آخر، وعبارته: أما قوله:
{ أَرَأَيْتَ أن كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى } فمعناه أخبرني عن حاله إن كان ذلك الطاغي على الهدى وعلى صراط الحق، أو أمر بالتقوى مكان نهيه عن الصلاة، أفما كان ذلك خيراً له وأفضل؟
وقوله: { أَرَأَيْتَ أن كَذَّبَ وَتَوَلَّى } أي: نبئني عن حاله إن كذب بما جاء به النبيون، وتولى أي: أعرض عن العمل الطيب، أفلا يخشى أن تحل به قارعة ويصيبه من عذاب الله ما لا قبل له باحتماله؟ فجواب كل من الشرطين محذوف كما رأيت في تفسير المعنى وهو من الإيجاز المحمود، بعد ما دل على المحذوف بقوله: { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } أي: أجهِِل أن الله يطلع على أمره؟ فإن كان تقياً على الهدى أحسن جزاءه، وإن كذب وتولى لم يفلت من عقوبته، ثم إن ما يطيل به المفسرون في المفعول الثاني لفعل { أَرَأَيْتَ } الأولى ومفعوليها في الثانية والثالثة، فهو مما لا معنى له؟ لأن القرآن قدوة في التعبير، وقد استعملها بمفعول واحد وبلا مفعول أصلاً بمعنى أخبرني. والجملة المستخبر عن مضمونها، تسد مسد المفاعيل. انتهى كلامهرحمه الله .