التفاسير

< >
عرض

وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ
٥٠
يٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيۤ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
٥١
وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ
٥٢
-هود

تفسير المنار

هذه الآيات الثلاث في تبليغ هود - عليه السلام - قومه دعوة ربه.
{ وإلى عاد أخاهم هودا } هذا معطوف على قوله:
{ ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه } [هود: 25] أي: وأرسلنا إلى عاد الأولى أخاهم في النسب والقومية هودا { قال يا قوم اعبدوا الله } وحده ولا تشركوا به شيئا { ما لكم من إله غيره } فإن الإله الحق للناس ربهم الذي خلقهم ويربيهم بنعمه، وهو واحد باعترافكم { إن أنتم إلا مفترون } أي: ما أنتم في عبادة غيره ((إلا مفترون)) كذبا عليه باتخاذ الأنداد والأولياء شركاء، وتسميتهم شفعاء، تتقربون بهم أو بقبورهم أو بصورهم وتماثيلهم إليه، وترجون النفع وكشف الضر عنكم بجاههم عنده.
{ يا قوم لا أسألكم عليه أجرا } تقدم مثله آنفا في قصة نوح، والمراد: إني ناصح مخلص أمين في هذا الذي أدعوكم إليه من عبادة الله وحده، لا أسألكم أجرا فتتهموني بطلب المنفعة لنفسي { إن أجري إلا على الذي فطرني } أي: ما أجري الذي أرجوه على تبليغكم إياه إلا على الله الذي خلقني على الفطرة السليمة من هذه البدع الوثنية، التي ابتدعها قوم نوح بتصوير الصالحين منهم لحفظ ذكراهم، فزين لهم الشيطان تعظيم صورهم وتماثيلهم فعبادتها كما رواه البخاري عن ابن عباس: { أفلا تعقلون } ما يقال لكم فتميزوا بين الحق والباطل والنافع والضار، وأن الأخ لا يغش إخوته، ولا يعرض نفسه لغضب قومه بدعوتهم إلى ما يضرهم ولا ينفعه.
{ ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه } تقدم هذا الأمر بلفظه في الآية الثالثة من هذه السورة { يرسل السماء عليكم مدرارا } هذا الجزاء الأول للأمر قبله، والسماء هنا المطر أو السحاب الممطر، وإرساله إمطاره، والمدرار الكثير الدرور، وأصله كثرة در اللبن، يقال: درت الشاة تدردرا ودرورا فهي دار (بغير هاء). أي كثر فيض لبنها، ولعل نكتة التعبير به الإشارة إلى الكثرة النافعة ; فإن بعضه قد يكون ضارا وقد يكون عذابا، وكانت بلادهم الأحقاف (جمع حقف وهو الرمل المائل) شديدة الحاجة إلى المطر لزرعها وشجرها؛ لأن الرمل يسرع إليه الجفاف إذا قل المطر، وروي عن الضحاك أن الله أمسك عنهم المطر الثلاث سنين فأجدبت بلادهم وقحطت بسبب كفرهم، ولا أدري من أين جاءت هذه الرواية، ولكن يدل على شدة حاجتهم إلى المطر أنهم لما رأوا بادرة العذاب الذي أنذروا به استبشروا إذ ظنوا أنه سحاب يمطرهم، قال - تعالى - في سورة الأحقاف:
{ فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم * تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين } [الأحقاف: 24-25]، { ويزدكم قوة إلى قوتكم } هذا الجزاء الثاني للأمر، وهو مما كانوا يطلبونه ويعنون به ويفخرون على الناس، إذ كانوا قد بسط لهم في الأجسام وأعطوا القوة فيها كما تراه في قوله - تعالى -: { فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون * فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون } [فصلت: 15-16] وقوله: { وإذا بطشتم بطشتم جبارين } [الشعراء: 130 } فيا ليت دول أوربة المستكبرة بقوتها التي يهدد بعضها بعضا تعتبر بهذا. وإني وهم أشد من قوم عاد كنوزا؟ { ولا تتولوا مجرمين } أي لا تنصرفوا معرضين عما أدعوكم إليه مما يكون سببا لنعمة المعيشة وسعة الرزق وزيادة القوة وهي جزاء الاستقامة على الحق.