التفاسير

< >
عرض

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ
٩٣
وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ
٩٤
-الأنعام

تفسير المنار

هاتان الآيتان في بيان وعيد من كذب على الله وادعى الوحي أو الإتيان بمثله، قفى بهما على ما تقدم من كون الوحي من شئونه تعالى ومتعلق صفاته، ومن الرد على منكريه وإثبات كون هذا القرآن الذي أنكروا إنزاله على محمد صلى الله عليه وسلم لأنه بشر. كالتوراة التي يعترفون بإنزالها على موسى وهو بشر، على أنه أكمل من التوراة وغيرها من الكتب الإلهية; ولذلك خوطب به جميع الناس، وجعل مكملا وخاتما للأديان. وهذا الوعيد يتضمن الشهادة بصدق النبي (صلى الله عليه وسلم) ذلك أن من كان يؤمن بالله واليوم الآخر إذا لم يكن له مندوحة عن الإيمان بأن القرآن من عند الله تعالى، وعن الاهتداء به بالمحافظة على الصلوات وما يتبعها ويستلزمها كما تقدم آنفا، فكيف يمكن أن يكون أكمل الناس إيمانا بالله وخشية له، وإيمانا بالدار الآخرة وما فيها من الجزاء - وهو محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - ممن يعرض نفسه لهذا الجزاء، وهو منتهى الظلم الذي يترتب عليه أشد الوعيد؟ قال تعالى:
{ ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا } افتراء الكذب على الله الاختلاق عليه بالحكاية عنه والعزو إليه، أو باتخاذ الشركاء والأنداد له كما يؤخذ من مجموع ما ورد في ذلك وهو المتبادر من اللفظ، وقد سبق مثل هذا الاستفهام الإنكاري في أوائل هذه السورة (الآية 21) وسيأتي مثله في أواخرها
{ فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم } [الأنعام: 144] وهو فيمن يدعي الوحي كذبا. ومثل ذلك في الأعراف ويونس وهود والكهف والعنكبوت والصف، وأشبه ما في هذه السور بمعنى الآية التي نفسرها آية يونس ; فإنها في سياق الكلام على القرآن. قال: { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم * قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون * فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون } [يونس: 15-17] وقد فسر الآلوسي افتراء الكذب هنا بإنكار الوحي، وهو لا يتفق مع ما بيناه آنفا، والمعنى لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا.
{ أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء } جعل بعضهم " أو " هنا بمعنى الواو كقوله تعالى حكاية عن قوم شعيب:
{ أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء } [هود: 87] وقول الشاعر "

عليها تقاها أو عليها فجورها "

فيكون العطف فيه لتفسير افتراء الكذب، ونعقب بأن التفسير لا يأتي بـ " أو " والمختار أنه من عطف المقيد على المطلق أو الخاص على العام، فإن افتراء الكذب على الله يشمل كل قول على الله بغير علم، سواء كان ذلك في ذاته أو صفاته أو أفعاله، فيدخل فيه ادعاء الوحي، ومنه ادعاء التحليل والتحريم وغير ذلك من أحكام الشرع بغير علم، وفي هذا الأخير آية الأنعام (144) وهي الثالثة في هذا المعنى وستأتي إن شاء الله تعالى.
وجعل بعضهم " أو " للتنويع في المعنى الواحد، كأن يراد بالافتراء ادعاء النبوة من غير ذكر الوحي، وبالثاني ادعاء الوحي من غير ذكر النبوة والرسالة وإن كانا متلازمين، وما اخترناه أظهر. قالوا: نزل هذا في الذين ادعوا النبوة من العرب، وروي عن عكرمة وقتادة تخصيص مسيلمة الكذاب. والحق أنه يدخل في عموم حكمه من ذكر، والسورة مكية نزلت قبل ادعائهم النبوة بزمن طويل، فالمعروف أن مسيلمة ادعى النبوة سنة عشر من الهجرة حتى قيل إن ذلك كان بعد حجة الوداع وفي أثناء مرض النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي توفي فيه، فلما سمع الناس بمرضه وثب الأسود العنسي باليمن، ومسيلمة باليمامة، وطليحة في بني أسد فادعوا النبوة. ذكره ابن الأثير في تاريخه، ويكفي في صحة الوعيد فرض وقوع الذنب أو توقعه، وناهيك بوعيد عالم الغيب والشهادة جل وعز.
{ ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله } أي لا أحد أظلم ممن افترى على الله أو ادعى الوحي منه، وممن ادعى أنه قادر على إنزال مثل ما أنزل على رسوله، كمن قال من المشركين
{ لو نشاء لقلنا مثل هذا } [الأنفال: 31] وهو النضر بن الحارث، فقد كان ممن يقول من كفار مكة: إن القرآن أساطير الأولين وإنه شعر لو نشاء لقلنا مثله.
وروى ابن جرير عن عكرمة والسدي أن هذا نزل في عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخي بني عامر بن لؤي أسلم وكان يكتب للنبي (صلى الله عليه وسلم) فكان إذا أملى عليه " سميعا عليما " كتب هو " عليما حكيما " والعكس، فشك وكفر وقال: إن كان محمد يوحى إليه فقد أوحي إلي، وإن كان الله ينزله فقد أنزلت مثل ما أنزل الله. وهذا تمثيل رواية السدي لما كان يغيره من عبارة الوحي،
وعبارة عكرمة أنه كان يملي عليه " عزيز حكيم " فيكتب " غفور رحيم " وهاتان الروايتان باطلتان ; فإنه ليس في شيء من السور المكية " سميعا عليما " ولا " عليما حكيما " ولا " عزيز حكيم " إلا في سورة لقمان، والمروي عن ابن عباس أنها نزلت بعد سورة الأنعام، وأن الآية التي ختمت بقوله تعالى: { عزيز حكيم } منها وثنتين بعدها مدنيات (كما في الإتقان)
وذكر بعض المفسرين أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أملى عليه قوله سبحانه في سورة " المؤمنون ":
{ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } [المؤمنون: 12] - فلما انتهى إلى قوله تعالى: { ثم أنشأناه خلقا آخر } [المؤمنون: 14] عجب عبد الله من تفصيل خلق الإنسان فقال: { فتبارك الله أحسن الخالقين } [المؤمنون: 14] فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " هكذا أنزلت علي " فشك حينئذ وقال: لئن كان محمد صادقا لقد أوحي إلي، ولئن كان كاذبا لقد قلت كما قال.
ولم أر هذه الرواية في كتب التفسير المأثور. ويقال فيها مثل ما قيل في الروايتين الأوليين من حيث التاريخ، فالمروي أن الأنعام نزلت قبل سورة " المؤمنون " وأن بينهما 18 سورة مكية، وما قيل من احتمال نزول هذه الآية بالمدينة لا حاجة إليه والرواية غير صحيحة، ولكن ذكروا في التفسير المأثور أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال ذلك، فكان مما وافق فيه خاطره القرآن، وهو جائز إن صحت الرواية، وقد يكون من الكشف الذي يعبر عنه علماء النفس اليوم بقراءة الخواطر.
ورووا مثله أيضا عن معاذ، وإنما أسلم معاذ في المدينة بعد نزول السورة. وروي أن عبد الله بن سعد لما ارتد كان يطعن في القرآن، ولعله قال شيئا مما ذكر في الروايات عنه كذبا وافتراء ; فإن السور التي نزلت في عهد كتابته لم يكن فيها شيء مما روي عنه أنه تصرف فيه كما علمت. وقد رجع إلى الإسلام قبل الفتح، ولو تصرف في القرآن تصرفا أقره عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فشك في الوحي لأجله لما رجع إلى الإسلام.
ثم ذكر تعالى وعيد الظالمين الذين يعد من وصفوا في الآية أشدهم ظلما وأفحشهم جرما فقال: { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت } إلخ. الخطاب للرسول ثم لكل من سمعه أو قرأه، وجواب " لو " محذوف للتهويل،
والغمرات جمع غمرة. قيل: هي في أصل اللغة المرة من غمره الماء إذا غطاه، ثم استعيرت للشدة وعليه الشهاب،
وقال الراغب: أصل الغمر إزالة أثر الشيء ومنه قيل للماء الكثير الذي يزيل أثر سيله غمر وغامر، والغمرة معظم الماء الساترة لمقرها وجعل مثلا للجهالة التي تغمر صاحبها، وقيل: للشدائد غمرات انتهى ملخصا.
والمعنى لو تبصر أو تعلم إذ يكون الظالمون الذين ذكروا في الآية أو جنس الظالمين الشامل لهم ولغيرهم في غمرات الموت، وهي سكراته وما يتقدمه من شدائد الآلام البدنية أو النفسية أو مجموعهما التي تحيط بهم كما تحيط غمرات الماء بالغرقى
{ والملائكة باسطو أيديهم } إليهم بالعذاب يوم البعث، أو باسطوها لقبض أرواحهم الخبيثة بالعنف والضرب، كما قال:
{ فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم } [محمد: 27] واختاره ابن جرير. وقد استعمل بسط اليد بمعنى الإيذاء المطلق في قوله تعالى: { إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم } [المائدة: 11] فإن أكثر الإيذاء العملي يكون بمد اليد، فإن أريد إيذاء معين ذكر كقوله تعالى حكاية في قصة ابني آدم: { لئن بسطت إلي يدك لتقتلني } [المائدة: 28] الآية،
وقوله: { أخرجوا أنفسكم } حكاية لقول الملائكة لهم عند بسط أيديهم لتعذيبهم أو لقبض أرواحهم، ومعناه أخرجوها مما هي فيه أي إن استطعتم - فهو أمر توبيخ وتهكم، أو أخرجوها من أبدانكم،
قال صاحب الكشاف: إن هذا تمثيل لفعل الملائكة في قبض أرواح الظلمة بفعل الغريم الملح ببسط يده إلى من عليه الحق ليعنفه عليه في المطالبة ولا يمهله ويقول له: أخرج ما لي عليك الساعة ولا أريم (أي لا أبرح مكاني حتى أنزعه من أحداقك). ووافقه صاحب الكشف في المعنى ولكنه جعل الكلام كناية عن العنف في السياق، والإلحاح والتشديد في الإرهاق، من غير تنفيس ولا إمهال، وأنه ليس هناك بسط يد ولا قول لسان. وكل من القولين جائز لغة لا تكلف فيه، وكان يكون متعينا لو كان صدور ما ذكر عن الملائكة متعذرا، ولو كشف لصاحبي الكشاف والكشف الحجاب عن تمثل الملائكة للبشر بمثل صورهم ومخاطبتهم بمثل كلامهم، لرأيا أنهما في مندوحة عن العدول عن الحقيقة إلى التمثيل أو الكناية. وقد تعقب الأول ابن المنير بأن هذه الأمور ممكنة على الحقيقة فلا معدول عنها.
{ اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون } هذا من قول الملائكة أو تتمته هنا. واليوم في اللغة الزمن المحدود بصفة أو عمل يقع فيه كأيام الأسبوع وأيام العرب المعروفة في تحديد وقائعها وحروبها. والمراد به يوم القيامة الذي يبعث الناس فيه للحساب والجزاء، وقيل: إن المراد به وقت الموت بناء على القولين السابقين في بسط اليد،
ولا يصح القول الآخر إلا إذا صح جعل وقت الموت مبدأ يوم القيامة وهو خلاف الظاهر،
والمعنى: اليوم تلقون عذاب الذل والهوان. لا ظلما من الرحمن، بل جزاء ظلمكم لأنفسكم بسبب ما كنتم تقولون مفترين على الله غير الحق كقول بعضكم: ما أنزل الله على بشر من شيء، وزعم بعض آخر أنه أوحي إليه ولم يوح إليه شيء، وجحد طائفة منكم لما وصف الله تعالى به نفسه من الصفات، واتخاذ أقوام له البنين والبنات، واستكبار آخرين عما نصه وأنزله من الآيات البينات، احتقارا من بعضهم لمن كرمه الله بإظهارها على يده ولسانه، وخشية بعض آخر من تعيير عشرائه وأقرانه،
وحاصل المعنى: ولو ترى أيها المخاطب بهذا ما يحل بالظالمين عند الموت ويوم البعث والجزاء مما ذكر لرأيت أمرا عظيما وعذابا أليما.
{ ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة } هذه جملة مستأنفة بين الله تعالى فيها ما يقوله لهؤلاء يوم القيامة بعد بيان ما تقوله لهم ملائكة العذاب كما جزم ابن جرير، لا معطوفة على ما قبلها من حكاية قول الملائكة، كما حكاه الرازي أحد وجهين، وزعم أنه أقوى، غافلا عن قوله تعالى: (خلقناكم) ولا ينافي هذا الخطاب قوله تعالى:
{ ولا يكلمهم الله يوم القيامة } [البقرة: 174] لأن معناه أنه لا يكلمهم كلام تكريم ورضا، أو هو كناية عن الغضب والإعراض،
والمعنى: لقد جئتمونا متفرقين فردا بعد فرد أو وحدانا منفردين عن الأنداد والأوثان، والأهل والإخوان، والأنصار والأعوان، مجردين من الخول والخدم والأملاك والأموال، كما خلقناكم أول مرة من بطون أمهاتكم حفاة عراة غلفا، أكد تعالى الخبر بمجيئهم بعد ذكر وقوعه تذكيرا لهم بما كان من جحودهم إياه أو استبعادهم لوقوعه، كما ذكرهم بمشابهة بعثهم وإعادتهم ببدء خلقهم، وهو المثل الذي جاءهم به الرسول (صلى الله عليه وسلم) من ربهم
{ وتركتم ما خولناكم } " أعطيناكم، وأما التخويل إعطاء الخول كالعبيد والنعم، ويعبر بالترك وراء الظهر عما فات الإنسان التصرف فيه والانتفاع به، لفقده إياه أو بعده عنه، وبالتقديم بين الأيدي عما ينتفع به في المستقبل، فالمراد هنا أن ما كان شاغلا لهم من المال والولد والخدم والحشم والأثاث والرياش عن الإيمان بالرسل والاهتداء بما جاءوا به لم ينفعهم، كما كانوا يتوهمون أن الله فضلهم به على المؤمنين، وأنهم يمكنهم الافتداء به أو ببعضه من عذاب الآخرة، إن صح قول الرسل: إن بعد الحياة الدنيا حسابا وجزاء في حياة أخرى، وإنما كان يمكنهم الانتفاع به لو آمنوا بالرسل وأنفقوا في سبيل الله. ولولا أن هذا هو المراد لاستغنى عن هذه الجملة بما قبلها. ومثل هذا يقال في قوله:
{ وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء } فإن الأديان الوثنية قائمة على قاعدتي الفداء والشفاعة كما تقدم بيانه مرارا، أي وما نبصر معكم شفعاءكم من الملائكة وخيار البشر وغيرهم - أو تماثيلهم وقبورهم الذين زعمتم في الدنيا أنهم فيكم شركاء لله تعالى، تدعونهم ليشفعوا لكم عند الله ويقربونكم إليه زلفى، بتأثيرهم في إرادته، وحملهم إياه على ما لم تتعلق في الأزل به، وقد تقدم شرح هذه العقيدة الوثنية والتفرقة بينها وبين أحاديث الشفاعة في تفسير هذه السورة وغيرها
{ لقد تقطع بينكم } البين الصلة أو المسافة الحسية أو المعنوية الممتدة بين شيئين أو أشياء، فيضاف دائما إلى المثنى كقوله تعالى:
{ فأصلحوا بين أخويكم } [الحجرات: 10] { فأصلحوا بينهما بالعدل } [الحجرات: 9] أو الجمع لفظا أو معنى كقوله تعالى: { أو إصلاح بين الناس } [النساء: 114] ولا يضاف إلى الاسم المفرد إلا إذا كرر نحو { هذا فراق بيني وبينك } [الكهف: 78] { ومن بيننا وبينك حجاب } [فصلت: 5] ويستعمل في الغالب ظرفا غير متمكن وفي القليل اسما، وقد قرأه هنا عاصم وحفص عنه والكسائي بفتح النون، أي تقطع ما كان بينكم من صلات النسب والملك والولاء والخلة، وقدر بعضهم تقطع الوصل بينكم، وقرأه الجمهور بالرفع على الفاعلية قالوا: أي تقطع وصلكم أو تواصلكم
{ وضل عنكم ما كنتم تزعمون } أي وغاب عنكم ما كنتم تزعمون من شفاعة الشفعاء، وتقريب الأولياء، وأوهام الفداء، إذ علمتم بطلان غروركم به واعتمادكم عليه، أو ضل عنكم الشفعاء الذين كنتم تزعمون أنهم يشفعون لكم، ففي الكلام نشر على ترتيب اللف، فإن تقطع البين راجع إلى ترك ما خولوا، وفقد الشفاعة أو الشفعاء راجع إلى ما بعده. وجملة القول أن آمالهم خابت في كل ما كانوا يزعمون ويتوهمون، وقد سبق لهذا نظير في الآيات (20 - 24) من هذه السورة فراجع تفسيرها في هذا الجزء.