التفاسير

< >
عرض

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَـٰتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ
١٧
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
١٨
وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَٱخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
١٩
-يونس

بحر العلوم

قوله تعالى: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا } يعني من أشد في كفره ممن اختلق على الله كذباً أنَّ معه شريكاً { أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ } بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ } يعني: المشركون. وقال الضحاك { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا } يعني مسيلمة الكذاب { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ } يعني أتباعه وأشياعُه ونظراؤه. قوله تعالى: { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } يعني الأصنام { مَا لاَ يَضُرُّهُمْ } إن لم يعبدوها { وَلاَ يَنفَعُهُمْ } إن عبدوها { وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء } يعني الأصنام { شُفَعَـٰؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } يشفعون لنا في الآخرة { قُلْ أَتُنَبّئُونَ ٱللَّهَ } أتخبرون الله { بِمَا لاَ يَعْلَمُ } من الآلهة { فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَلاَ فِى ٱلأرْضِ } يعني الأصنام بأنها تشفع لأحد يوم القيامة. ويقال معناه أتخبرون الله بشفاعة آلهتكم. أما علموا أنها لا تكون أبداً. ويقال معناه أتشركون مع الله بجاهل لا يعلم ما في السموات ولا ما في الأرض. ثم نزه نفسه عن الولد والشريك فقال تعالى: { سُبْحَـٰنَهُ } يعني تنزيهاً له { وَتَعَالَىٰ } يعني ارتفع { عَمَّا يُشْرِكُونَ } من الآلهة ويقال معناه هو أعلا وأجل من أن يوصف له شريك. قرأ عاصم وأبو عمرو (وابن عامر) يُشْرِكُونَ بالياء على معنى المغايبة. وقرأ الباقون بالتاء على وجه المخاطبة ثم قال: { وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً } قال مقاتل: وما كان الناس إلا على ملة واحدة. يعني على عهد آدم وعلى عهد نوح من بعد الغرق. كانوا كلهم مسلمين { فَٱخْتَلَفُواْ } في الدين بعد ذلك. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال: وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً (على عهد آدم فاختلفوا حين قتل أحد بني آدم أخاه فتفرقوا مؤمناً وكافراً. [وقال الكلبي: وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً) كافرة على عهد إبراهيم فتقرقوا مؤمناً وكافراً]. وقال الزجاج { وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ } يعني العرب. كانوا على الشرك قبل مجيء النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فاختلفوا بعده فآمن بعضهم وكفر بعضهم. قال الزجاج: وقيل أيضاً: { وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً } يعني: ولدوا على الفطرة واختلفوا بعد الفطرة { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ } [لولا أنَّ الله جعل لهم أجلاً للقضاء بينهم { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } في وقت اختلافهم. ويقال] { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ } في اللوح المحفوظ بأن لا يعجل بعقوبة العاصين ويتركهم لكي يتوبوا { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } وقال مقاتل { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ } بتأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } في الدنيا. وقال الكلبي: لولا أن الله تعالى أخبر هذه الأمة أن لا يهلكهم كما أهلك الذين من قبلهم لقضى بينهم في الدنيا { فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } من الدين