التفاسير

< >
عرض

وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ للَّهِ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ
٢٠
وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِيۤ آيَاتِنَا قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ
٢١
هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ
٢٢
فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٢٣
إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
٢٤
-يونس

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ } وذلك حين قال عبد الله بن أمية: { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعًا } [الإسراء: 90] وسألته قريش أن يأتيهم بآية فقال الله تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم - { فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ للَّهِ } نزول الآية من عند الله تعالى { فَٱنتَظِرُواْ } نزولها { إِنّى مَعَكُم مّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ } لنزولها. ويقال فانتظروا بي الموت إني معكم من المنتظرين لهلاككم. قوله تعالى: { وَإِذَا أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ } يعني: أصبنا الناس { رَحْمَةً } يعني المطر. ويقال العافية { مّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ } من بعد القحط ومن بعد الشدة والبلاء { إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِيۤ آيَاتِنَا } يعني تكذيباً بالقرآن. ويقال تكذيباً بنعمة الله تعالى ويقولون سقينا بنوء كذا ولا يقولون هذا من رزق الله تعالى. وقال القتبي إذا لهم مكر في آياتنا يعني قولهم بالطعن والحيلة ليجعلوا لتلك الرحمة سبباً آخر { قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا } يعني: أشد عذاباً وأشد أخذاً { إِنَّ رُسُلَنَا } الحفظة { يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ } يعني [الحفظة يكتبون] ما تقولون من التكذيب قوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِى يُسَيّرُكُمْ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ } يعني يحملكم في البر على الدواب وفي البحر في السفن. ويقال هو الذي يحفظكم إذا سافرتم في برٍ أو بحر. قرأ ابن عامر يَنْشُرُكُمْ بالنون والشين من النشر يعني يبثكم. والقراءة المعروفة يُسَيِّرُكُمْ من التسيير. يعني يسهل لكم السير { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ } يعني: في السفن { وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ } يقال للسفينة الواحدة جَرَتْ وللجماعة جَرَيْنَ. واسم الفلك يقع على الواحد وعلى الجماعة، ويكون مذكراً إذا أريد به الواحد ومؤنثاً إذا أريد به الجماعة كقوله { { فِى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } [يس: 41] وقال { وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِى تَجْرِى فِى ٱلْبَحْرِ } [البقرة: 164] ذكرا بلفظ التأنيث مرة، وبلفظ التذكير مرة، وفيه الدليل أن الكلام يكون بعضه على وجه المخاطبة وبعضه على وجه المغايبة، كما قال ها هنا { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ } بلفظ المخاطبة ثم قال { وَجَرَيْنَ بِهِم } بلفظ المغايبة "بِرِيحٍ" { طَيّبَةٍ } يعني لينة (ساكنة { [وَفَرِحُواْ بِهَا] ) بالريح الطيبة { جَاءتْهَا } يعني: السفينة { رِيحٌ عَاصِفٌ } يعني: شديدة { وَجَاءهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلّ مَكَانٍ } يعني: من كل النواحي { وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ } يعني: علموا وأيقنوا أنه قد دنا هلاكهم، وقال القتبي وأصل هذا أن العدو إذا أحاط بالقرية يقال دنا القوم من الهلكة قال الله تعالى { وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ } وأُحِيطَ بثمره، فصار ذلك كناية عن الهلاك { دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ } يعني أخلصوا لله تعالى يعني: الدعاء وقالوا { لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ } يعني من هذه الريح العاصف، ويقال من هذه الأهوال { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ } يعني: الموحدين المطيعين { فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ } يعني: يعصون { فِى ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } يعني الدعاء إلى غير عبادة الله تعالى والعمل بالمعاصي والفساد قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } يعني إثم معصيتكم عليكم وهذا كقوله { { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } [فصلت: 46] ويقال مظالمكم فيما بينكم يعني: على أنفسكم أي جنايتكم عليكم.وهذا كما يقال في المثل (لمحسن سيجزى بإحسانه والمسيء يكفيه مساويه) يعني وباله يرجع إليه ثم قال { مَّتَاعَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } يعني: تمتعون فيها أيام حياتكم { ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ } ويقال عبثكم في الدنيا قليل، ويقال عمر الدنيا في حياة الآخرة قليل ثم إلينا مرجعكم أي بعد الموت في الآخرة { فَنُنَبّئُكُمْ } يعني: نخبركم { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } قرأ عاصم في رواية حفص "مَتَاعَ" بالنصب ويكون نصباً على المصدر. ومعناه تمتعون متاع الحياة الدنيا. وقرأ الباقون "مَتَاعُ بالضم ومعناه هو متاع الحياة، ثم ضرب للحياة الدنيا مثلاً فقال { إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } يعني: في فنائها وبقائها { كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاء } يعني المطر { فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ } يعني يدخل الماء في الأرض فينبت به النبات فاتصل كل واحد بالآخر فاختلط { مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلأنْعَـٰمُ } يعني مما يأكل الناس من الحبوب والثمار ومما تأكل الأنعام والدواب من العشب والكلأ { حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ ٱلأرْضُ زُخْرُفَهَا } يعني زينتها { وَٱزَّيَّنَتْ } يعني حسنت بألوان النبات. وأصله تزينت فحذفت التاء وأقيم التشديد مقامها. وهذا كقوله { { أَدَّارَكَ } [النمل: 66] وأصله تدارك { وَظَنَّ أَهْلُهَا } يعني: وحسب أهل الزرع { أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا } يعني على غلاتها وأنها ستتم لهم الآن { أَتَاهَا أَمْرُنَا } يعني: عذابنا { لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً } قال أبو عبيدة. الحصيد المستأصل. ويقال الحصيد كحصيد السيف { كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأمْسِ } يعني صار كأن لم يكن بالأمس فكذلك الدنيا والإنسان يجمع المال ويشتري الضياع ويبني البنيان فيظن أنه قد نال مقصده فيأتيه الموت فيصير كأنه لم يكن، أو رجل ولد له مولود فإذا بلغ فظن أنه قد نال مقصوده فيموت ويصير كأنه لم يكن { كَذٰلِكَ نُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ } يعني نبين [علامات] غرور الدنيا وزوالها لكيلا يغتروا، ونبين بقاء الآخرة ليطلبوها { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } بأمثال القرآن ويعتبرون بها