التفاسير

< >
عرض

أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٦٢
ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ
٦٣
لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
٦٤
وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٦٥
أَلاۤ إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ
٦٦
هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ
٦٧
قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَا فِي ٱلأَرْضِ إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَآ أَتقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٦٨
-يونس

بحر العلوم

قوله تعالى: { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء ٱللَّهِ } يعني المؤمنين. ويقال: أحباء الله. وهم حملة القرآن والعلم. ويقال الذين يجتنبون الذنوب في الخلوات ويعلمون أن الله تعالى مطلع عليهم، وروي "عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن أولياء الله تعالى فقال: هم الذين (إذا رُؤوا) ذُكِرَ اللهُ تعالى" ، وقال وهب بن منبه: [قال] الحواريون لعيسى بن مريم يا روح الله من أولياء الله؟ قال الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها. ونظروا إلى آجل الدنيا حين نظر الناس إلى عاجلها فأحيوا ذكر الموت وأماتوا ذكر الحياة ويحبون الله تعالى ويحبون ذكره. وقال الضحاك: { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء ٱللَّهِ } يعني المخلصين لله { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } يعني: لا يخافون من أهوال يوم القيامة { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } حين زفرت جهنم، ثم نعتهم فقال تعالى { ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } يعني أقروا وصدقوا بوحدانية الله تعالى ويتقون الشرك والفواحش { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا } يعني البشارة وهي الرؤيا الصالحة يراها العبد المسلم لنفسه أو يرى له غيره. وروي عن عبد الله بن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءاً من النبوة" ، وفي خبر آخر "من أربعين جزءاً" . وفي خبر آخر "من ستة وأربعين جزءاً" . وروى عطاء بن يسار "عن رجل كان يفتي بالبصرة، قال سألت أبا الدرداء عن هذه الآية { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا } قال أبو الدرداء ما سألني عنها أحد منذ (سألت عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) فقال ما سألني عنها أحد قبلك. هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أوتُرى له" { وَفِي ٱلاْخِرَةِ } الجنة. وعن عبادة بن الصامت أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأجابه بمثل ذلك. ويقال لهم البشرى في الحياة الدنيا يعني عند الموت يبشره الملائكة كما قال في آية أُخرى { تتنَزَّلَ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ } [فصلت:30] وفي الآخرة يبشره الملائكة حين يخرج من القبر { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ } لا تغيير ولا تحويل لقول الله تعالى. لأن قوله حق بأن لهم البشرى في الحياة الدنيا. ويقال لا تبديل لكلمات الله يعني لا خلف لمواعيده التي وعد في القرآن { ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } يعني: الثَّواب الوافر. ويقال النجاة الوافرة. قوله تعالى: { وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ } يقول يا محمد لا يحزنك تكذيبهم { إِنَّ ٱلْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } بأن النعمة والقدرة لله تعالى. وجميع من يتعزز إنما هو بإذن الله تعالى { هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } السَّميع لمقالتهم العليم بهم وبعقوبتهم على ترك توحيدهم ثم قال { أَلا إِنَّ للَّهِ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَن فِى ٱلأرْضِ } يعني من الخلق كلهم عبيده وإماؤه { وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَاء } يعني: وما يعبد الذين يعبدون من دون الله، الأوثان والأصنام. ولم يأت بجوابه. وجوابه مضمر ومعناه ما هي لي شركاء ولا نفع لهم في عبادتها { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } يعني ما يعبدون الأصنام إلاّ بالظن { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } يقول وما هم إلا يكذبون. يقول ما أمرهم الله تعالى بعبادتها ولا تكون لهم شفاعة. ثم دل بصنعه على توحيده فقال عز وجل { هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } يعني خلق لكم اللَّيل لتقروا فيه من النصب والتعب { وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً } يعني: خلق النهار مطلباً للمعيشة { إِنَّ فِى ذَلِكَ } يعني: في تقليب الليل والنهار { لآَيَاتٍ } يعني لعبرات وعلامات لوحدانية الله { لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } يعني: المواعظ، ثم رجع إلى ذكر كفار مكة فقال تعالى { قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدًا } حين قالوا: الملائكة بنات الله تعالى { سُبْحَـٰنَهُ } نزه نفسه عن الولد { هُوَ ٱلْغَنِىُّ } عن الولد { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأرْضِ } من الخلق سماهم عبيده وإمائه { إِنْ عِندَكُمْ مّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَا } يعني ما عندكم من حجة بهذا القول { أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } بغير حجة.