التفاسير

< >
عرض

وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ
٩٠
آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ
٩١
فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ
٩٢
وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ فَمَا ٱخْتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
٩٣
-يونس

بحر العلوم

ثم قال تعالى { وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إِسْرٰءيلَ ٱلْبَحْرَ } يعني: بحر قلزم. ويقال هو نهر مصر وهو النيل { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ } يعني: لحقهم. وقال القتبي أتبعت القوم أي لحقتهم. وتبعتهم كنت في أثرهم ثم قال { بَغْيًا وَعَدْوًا } يعني تكبراً، "وَعْدواً" يعني ظلماً. ويقال: بغياً في المقالة حيث قال { إِنَ هَـؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } وعدواً يعني اعتدوا عليهم وأرادوا قتلهم { حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ } يعني كربة الموت. ويقال ألجمه الماء. ويقال بلغه الموت [والأجل] وذلك أن بني إسرائيل لما رأوا فرعون ومن معه قالوا هذا فرعون وقد كنا نلقى منه ما نلقى فكيف بنا وأين المخرج في البحر. فأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر. فضرب فصار اثني عشر طريقاً يابساً. فلما انتهى فرعون إلى البحر فرآه قد يبس فقال لقومه إن البحر قد يبس خوفاً مني. فصدقوه وهو قوله { { وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ } [طه: 79] ولما جاوز قوم موسى، ودخل قوم فرعون فلما هَمَّ أولهم أن يخرج من البحر ودخل آخرهم طم عليهم البحر فغرقهم و { قَالَ } فرعون عند ذلك { آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ } قرأ حمزة والكسائي إِنَّهُ بالكسر على معنى الابتداء والباقون بالنصب على معنى البناء. يعين صدقت بأنه { لا إلٰهَ إلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } على دينهم. ويقال أنا من المخلصين على التوحيد. قال الله تعالى { ءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ } يعني: أتُؤْمن في هذا الوقت حين عاينت العذاب وقد عصيت قبل نزول العذاب. وهذا موافق لقوله تعالى: { { وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَـٰتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّى تُبْتُ ٱلأَنَ } [النساء: 18] الآية. ويقال إن جبريل: هو الذي قال له { ءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ } { وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } يعني من الكافرين. قال الفقيه أبو الليث حدثنا الفقيه أبو جعفر قال حدثنا علي بن أحمد قال حدثنا نصر ابن يحيى قال حدثنا أبو مطيع عن الحسن بن دينار عن حميد بن هلال قال: كان جبريل عليه السلام يناجي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له ذات يوم يا محمد ما غاظني عبد من عباد الله تعالى مثلما غاظني فرعون لما أدركه الغرق { قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ } فخشيت أن تدركه الرحمة، فضربت بيدي إلى البحر. فأخذت كفاً من حمئه وربما قال من طينه فكبسته في فيه فما نبس بكلمة. قوله تعالى: { فَٱلْيَوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ } أي: نخرجك من البحر بجسدك. وقال أبو عبيدة نلقيك على نجوة من الأرض، والنجوة من الأرض ما ارتفع منها { لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءايَةً } يعني عبرة لمن بعدك من الكفار لكيلا يدعوا الربوبية. وقال قتادة لما أغرق الله فرعون لم يصدق طائفة من الناس بذلك فأخرجه الله تعالى ليكون لهم عظة وآية { وإن كثيراً من الناس عن آياتنا } يعني عن هلاك فرعون { لَغَـٰفِلُونَ } فلا يخافون ولا يعتبرون ثم قال تعالى { وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِى إِسْرٰءيلَ } يعني أنزلنا بني إسرائيل { مُبَوَّأَ صِدْقٍ } يعني منزل صدق وهو أرض مصر وذلك أن الله تعالى قد وعد لهم بأن يورثهم أرض مصر. فلما غرق فرعون رجع موسى عليه السلام ببني إسرائيل إلى أرض مصر فنزلوا بها وسكنوا الديار. ويقال مبوأ صدق يعني أرضاً كريمة يعني أرض أردن وفلسطين. ويقال منزل حسن. وقال قتادة: أرض الشام ويقال الأرض المقدسة { وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ ٱلطَّيّبَاتِ } يعني من ميراث أهل مصر وأهل الشام { فَمَا ٱخْتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَاءهُمُ ٱلْعِلْمُ } فما اختلفوا في الدين حتى جاءهم البيان. يعني جاءهم موسى عليه السلام بعلم التوراة فاختلفوا من بعد يوشع بن نون. ويقال: فما اختلفوا في أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى جاءهم العلم. يعني: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وجاءهم بالقرآن. لأنهم لم يزالوا مؤمنين به. وذلك أنهم يجدونه مكتوباً عندهم. فلما جاءهم محمد - صلى الله عليه وسلم - جحدوا به بعد العلم { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } من الذين آمن بعضهم وكفر بعضهم.