التفاسير

< >
عرض

وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً
١
فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً
٢
فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً
٣
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً
٤
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً
٥
-العاديات

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَٱلْعَـٰدِيَـٰتِ ضَبْحاً } قال مقاتل وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية إلى بني كنانة واستعمل عليهم "المنذر بن عمرو" الساعدي فأبطأ عليه خبرهم فاغتم لذلك فنزل عليه جبريل - عليه السلام - بهذه السورة يخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعلمه عن حالهم فقال (والعاديات ضبحاً) يعني أفراس أصحابك يا محمد - صلى الله عليه وسلم - إنهم يسبحون في عدوهم { فَٱلمُورِيَـٰتِ قَدْحاً } يعني النار التي تسطع من حوافر الفرس إذا عدت في مكان ذي صخور وأحجار { فَٱلْمُغِيرٰتِ صُبْحاً } يعني أصحابك يغيرون على العدوّ عند الصبح { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً } يعني يثيرون بحوافرهن التراب إذا عدت الفرس في مكان سهل يهيج التراب والغبار (نقعاً) يعني أطراحاً على الأرض { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً } يعني أصحابك أصبحوا في وسط العدو مع الظفر والغنيمة فلا تغتم وقال الكلبي (والعاديات ضبحاً) يعني أنفاس الخيل حين تتنفس إذا اجتهدت وقال ابن مسعود رضي الله عنه (والعاديات ضبحاً) يعني الإبل بعرفات إذا دخل الحجاج مكة، وروى عطاء عن ابن عباس في قوله (والعاديات ضبحاً) قال الخيل وما أصبح دابة قط إلا كلب أو خنزير وهو يلهث كما يلهث الكلب وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه هي الإبل تذهب إلى وقعة بدر.
وقال أبو صالح تقاولت مع عكرمة في قوله (والعاديات ضبحاً) قال عكرمة قال ابن عباس هي الخيل في القتال فقلت مولاي [يعني علي بن أبي طالب رضي الله عنه] أعلم من مولاك إنه كان يقول هي الإبل التي تكون بمكة حين تفيض من عرفات إلى جمع وقال أهل اللغة الضبح (صوت حلوقها) إذا عدت والضبح والضبع واحد يقال ضحت الناقة وضبعت إذا عدت في المسير.
وهذا قسم أقسم الله تعالى بهذه الأشياء وجوابه قوله تعالى:
{ { إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } [العاديات:6] وقال بعضهم (فالموريات قدحاً) معناه فالمنجيات عملاً وهذا مثل ضربه الله تعالى فكما أن الأقداح تنجي الرجل المسلم من برد الشتاء والهلاك وإذا لم يكن معه الزند فيهلك في البرد فكذلك العمل الصالح ينجي العبد يوم القيامة ومن العذاب الهلاك وإذا لم يكن معه عمل صالح يهلك في العذاب ويقال (فالموريات قدحاً) يعني ناراً لأبي حباحب كان رجل في بعض أحياء العرب من أبخل الناس ولم يوقد ناراً حتى ينام كل ذي عين ثم يوقدها فإذا استيقظ أحد أطفأها لكي لا ينتفع بناره أحد بخلاً منه فكذلك الخيل حين اشتدت على الأرض الحصاة فقدحت النار بحوافرها لا ينتفع بها كما لا ينتفع بنار أبي حباحب ثم قال (فالمغيرات صُبْحاً) يعني الخُصَماء، يغيرون على حسنات العبد يوم القيامة بمنزلة ريح عاصف يجيء ويرفع التراب الناقع من حوافر الدواب فذلك قوله تعالى (فأثرن به نقعاً) ويقال هي الإبل ترجع من عرفات إلى مزدلفة ثم يرجعن إلى منى ويذبح هناك ويقسم الخمر ويوجد اللحم كأنهم أغاروها (فأثرن به نقعاً) يعني هيّجن بالوادي غباراً حين يرجعون من مزدلفة إلى منى وقوله تعالى (به) كناية عن الوادي فكأنه يقول (فأثرن به نقعاً) أي غباراً ثم قال (فوسطن به جمعاً) يعني فوقعن بالوادي ويقال بالمكان جمعاً أي اجتمع الحاج بمنى.