التفاسير

< >
عرض

أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ
١
حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ
٢
كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ
٣
ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ
٤
كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ
٥
لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ
٦
ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ
٧
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ
٨
-التكاثر

بحر العلوم

قوله تعالى: { أَلْهَـٰكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } قال الكلبي: نزلت في حَيَّيْن من العرب أحدهما بنو عبد مناف والآخر بنو سهم تفاخرا في الكثرة فكثرتهم بنو عبد مناف فقال بنو سهم إنما البغي والقتال قد أهلكنا فقد أحيانا وأحياكم وأمواتنا وأمواتكم ففعلوا فكثرتهم بنو سهم فنزل (أَلْهَاكُمُ التكاثر) يعني شغلكم وأذهلكم التفاخر { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } يعني أتيتم وذكرتم وعددتم أهل المقابر يعني حتى يدرككم الموت على تلك الحال وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه (قرأ الهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر) ثم قال يقول بني آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فَأَفْنَيْتَ أو لبستَ فأبليت أو تصدقت فأمضيت ويقال معناه أغفلكم التفاخر والتكاثر عن الهاوية والنار الحامية حتى زرتم المقابر يعني عددتم مَنْ في المقابر. ثم قال { كَلاَّ } وهو رد على صنيعكم ويقال (كلا) معناه أي لاَ تَدَعون الفخر بالأحساب حتى زرتم المقابر، وقال الزجاج كلا ردع لهم وتنبيه يعني ليس الأمر الذي أن يكون عليه التكاثر والذي ينبغي أن يكونوا عليه طاعة الله تعالى والإيمان بنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - { سَوْفَ تَعْلَمُونَ } إذا نزل بكم الموت ويقال (كلا سوف تعلمون) إن سئلتم في القبر ثم قال { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } بعد الموت حين نزل بكم العذاب لأن الأحساب لا تنفعكم قوله تعالى: { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ } قال بعضهم معناه كلا لا تؤمنون بالوعيد وقد تم الكلام ثم استأنف فقال: { عِلْمَ ٱلْيَقِينِ } يعني لو تعلمون ما القيامة باليقين لألهاكم عن ذلك ويقال هذا موصول به كلا لو تعلمون يقول حقاً لو علمتم علم اليقين بأن المال والحسب والفخر لا ينفعكم يوم القيامة ما افتخرتم بالمال والعدد والحسب ثم قال عز وجل { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } قرأ ابن عامر والكسائي (لتُرون) بضم التاء والباقون بالنصب فمن قرأ بالضم فهو على فعل ما لم يسم فاعله ونصب الجحيم على أنه مفعول ثان، ومن قرأ بالنصب فعلى فعل المخاطبة ونصب الجحيم لأنه مفعول به يعني لترون الجحيم يوم القيامة عياناً { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } يعني يدخلونها عياناً لا شك فيه { ثُمَّ لَتُسْـئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } يعني ولتسألن يوم القيامة عن النعيم قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه من أكل خبزاً يابساً وشرب الماء من الفرات فقد أصاب النعيم وقال ابن مسعود رضي الله عنه هو الأمن والصحة وروى حماد بن سلمة عن أبيه عمار بن أبي عمار عن جابر أنه قال جاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما فأطعمناهم رطباً وأسقيناهم الماء فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "هذا من النعيم التي تسألون عنه" وروى صالح بن محمد عن محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس قال إن أبا بكر سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكلة أكلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت أبي الهيثم بن التيهان من لحم وخبز وشعير وبسر مذنب وماء عذب فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتخاف علينا أن يكون هذا من النعيم الذي نسأل عنه فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم - "إنما ذلك للكفار ثم قَال ثلاثة لا يسأل الله تعالى عنها العبد يوم القيامة ما يواري عورته، وما يقيم به صلبه، وما يكفه عن الحَرِّ والقُدّ وهو مسؤول بعد ذلك عن كل نعمة" . وروى الحسن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "ما أنعم الله تعالى على العبد من نعمة صغيرة أو كبيرة فيقول عليها الحمد لله إلا أعطاه الله تعالى خيراً مما أخذ" والله أعلم، وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "من قرأ سورة التكاثر لم يحاسبه الله تعالى بالنعيم الذي أنعم به في الدار الدنيا وأعطي من الأجر كأنما قرأ القرآن" .