التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ
١
لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ
٢
وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ
٣
وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ
٤
وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ
٥
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ
٦
-الكافرون

بحر العلوم

قوله تعالى: { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَـٰفِرُونَ } وذلك أن قريشاً قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - (إن يَسُرّك بأن نتبعك عاماً ونترك ديننا ونتبع دينك وترجع إلى ديننا عاماً) فنزلت هذه السورة وقال مقاتل نزلت في المستهزئين وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قرأ سورة النجم وجرى على لسانه ما جرى فقال أبو جهل أخزاه الله لا يفارقنا إلا على أحد أمرين ندخل معك في بعض ما تعبد وتدخل معنا في بعض ديننا أو نتبرأ من آلهتنا وتتبرأ من إلهك فنزلت هذه السورة، وقال الكلبي أنهم أتوا العباس فقالوا له لو أن ابن أخيك استلم بعض آلهتنا لصدقناه بما يقول وآمنا به فنزل (قل يا أيها الكافرون)، ويقال إنهم اجتمعوا إلى أبي طالب وقالوا له إن ابن أخيك يؤذينا ونحن لا نؤذيه بحرمتك فدعاه أبو طالب وذكر ذلك له فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إنما أدعوهم إلى كلمة واحدة" فقال ما هي قال "لا إله إلا الله" فنفروا عن هذه الكلمة فنزلت (قل يا أيها الكافرون) يعني قل يا محمد لأهل مكة { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } يعني (لا أعبد) بعد هذا (ما تعبدون) أنتم من الأوثان ولا أرجع إلى دينكم { وَلاَ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَا أَعْبُدُ } يعني لا تعبدون أنتم بعد هذا الرب الذي أعبده أنا حتى ترون ما يستقبلكم غداً وهذا كقوله عز وجل { { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا } [الكهف:29] قوله تعالى: { وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } يعني لست أنا في الحال عابداً لأصنامكم وما كنت عابداً لها قبل هذا لأني علمت مضرة عبادتها { وَلاَ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَا أَعْبُدُ } يعني لستم عابدين في الحال لجهلكم وغفلتكم وقلة عقلكم. ثم قال عز وجل { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ } يعني قد أكملت عليكم الحجة فليس علي أن أجبركم على الإسلام فاثبتوا على دينكم حتى تروا ماذا يستقبلكم غداً وأنا أثبت على ديني الذي أكرمني الله تعالى به ولا أرجع إلى دينكم أبداً وهذا قبل أن يؤمر بالقتال ثم نسخ بآية القتال، فيها دليل أن الرجل إذا رأى منكراً أو سمع قولاً منكراً فأنكره فلم يقبلوا منه لا يجب عليه أكثر من ذلك وإنما عليه أن يحفظ مذهبه وطريقه ويتركهم على مذهبهم وطريقهم. وقال الحسن سمعت شيخاً يحدث قال بينما أسير مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمع رجلاً يقرأ (قل يا أيها الكافرون) فقال "أما هذا فقد برىء من الشرك" وسمع رجلاً يقرأ { { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الصمد: 1] فقال "أما هذا فقد غفر الله تعالى له" والله أعلم.