التفاسير

< >
عرض

وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ
١٠٨
فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـٰؤُلاۤءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ
١٠٩
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ
١١٠
وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
١١١
فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
١١٢
-هود

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ } قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص سُعِدُوا بضم السين. وقرأ الباقون بنصب السين. فمن قرأ بالنصب فمعناه الذين استوجبوا السعادة في الجنة. ومن قرأ بالضم فمعناه وأما الذين سُعِدُوا أي قدر لهم السعادة وخلقوا للسعادة { فَفِى ٱلْجَنَّةِ خَـٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوَاتُ وَٱلأرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ } أن يحبس في المحشر وعلى الصراط. ويقال الذين شقوا يعني الكفار والذين سعدوا المؤمنين ومعناه الكفار في النار إلا ما شاء الله أن يسلموا، والمؤمنون في الجنة إلا ما شاء الله أن يرجعوا عن الإسلام. ويقال إلا ما شاء ربك يعني قد شاء ربك ثم قال { عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } يعني رزقاً غير منقطع عنهم ولا ينقص من ثمارهم ولا من نعمتهم. ثم قال تعالى { فَلاَ تَكُ فِى مِرْيَةٍ } يعني في شك { مّمَّا يَعْبُدُ هَـؤُلاءِ } إن الله تعالى يعاقبهم بذلك { مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ ءابَاؤهُم مّن قَبْلُ } يعني: لا يرغبون في التوحيد كما لم يرغب آباؤهم من قبل الذين هلكوا { وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ } يعني نوف لهم ولآبائهم حظهم من (العذاب غير منقوص عنهم، وهو قول مقاتل، وقال سعيد بن جبير: نصيبهم من الكتاب) الذي كتب في اللوح المحفوظ من السعادة والشقاوة. وقال مجاهد وإنا لموفوهم نصيبهم يعني ما قدر لهم من خير أو شر. قوله تعالى: { وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَـٰبَ } يعني أعطينا موسى التوراة { فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } يعني آمن به بعضهم وكفر به بعضهم وهذا تعزية للنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يصبر كما صبر موسى على تكذيبهم ثم قال { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ } يعني وجب قول ربك بتأخير العذاب عن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } يعني لجاءهم العذاب ولفرغ من هلاكهم { وَإِنَّهُمْ لَفِى شَكٍّ مّنْهُ } يعين من القرآن { مُرِيبٍ } يعني ظاهر الشك قوله تعالى: { وَإِنَّ كُـلاًّ } قرأ إبن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وإنْ كل بجزم النون. وقرأ الباقون بالنصب والتشديد. فمن قرأ بالجزم معناه وما كلٌ إلا ليوفينهم كقوله { { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ } [يس: 32] يعني ما كلٌ. ومن قرأ بالتشديد يكون إنَّ لتأكيد الكلام. وقرأ حمزة وإبن عامر وعاصم في رواية حفص { لَمَّا } بتشديد الميم. وقرأ الباقون بالتخفيف. فمن قرأ بالتخفيف يكون لصلة الكلام، ومعناه: وإنَّ كلاً ليوفينهم. فتكون ما صلة كقولهم عما قليل يعني عن قليل. ومن قرأ بالتشديد يكون بمعنى إلاَّ يعني: وإنَّ كُلاً إلا ليوفينهم كقوله { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } [الطارق: 4] (فمن قرأ بالتشديد كتلك الآية يكون معناه إلا عليها حافظ) ومعنى الآية إن كلا الفريقين { لَيُوَفّيَنَّهُمْ رَبُّكَ } ثواب { أَعْمَـٰلَهُمْ } بالخير خيراً وبالشر شراً { إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } من الخير والشر. قوله تعالى: { فَٱسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ } يعني استقم على التوحيد والطاعة كما أمرت { وَمَن تَابَ مَعَكَ } أيضاً يستقيموا على التوحيد { وَلاَ تَطْغَوْاْ } أي لا تعصوا الله في التوحيد وطاعته { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } قال: حدثنا محمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا إبراهيم بن يوسف قال حدثنا أبو حفص عن سعيد عن قتادة في قوله تعالى فاستقم كما أُمرت قال إن الله تعالى أمر بالاستقامة على التوحيد وأن لا يطغى في نعمته. وقال القتبي فاستقم كما أُمرت: يعني امضي على ما أمرت به