التفاسير

< >
عرض

فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ
١١٦
وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ
١١٧
-هود

بحر العلوم

قوله تعالى: { فَلَوْلاَ كَانَ } يعني فهلا كان { مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ } يعني ذووا بقية من آمن وقال مقاتل: يعني فلم يكن من القرون من قبلكم أولو بقية يعني ذو بقية من دين { يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِى ٱلأرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ } وهم الذين ينهون عن الفساد في الأرض. وقال القتبي: فهلا أولو بقية من دين. يقال: قوم لهم بقية إذا كان فيهم خير. قال القتبي: إذا رأيت فلولا بغير جواب يريد به هلا كقوله { { فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ } [الأنعام: 43] { { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءَامَنَتْ } [يونس: 98] وقال بعض المفسرين جعل "لولا" ها هنا وفي سورة يونس بمعنى لم. وقال الزجاج: معناه أولوا تمييز، ويجوز أولوا طاعة وفضل، ومعنى بقية. إذا قلت في فلان بقية معناه فيه فضل فيما يمدح به. إلا قليلا ممن أنجينا منهم. استثناء منقطع. والمعنى لكن قليلاً ممن أنجينا ممن ينهي عن الفساد. وروى سيف بن سليمان المكي بإسناده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة" . ثم قال { وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } يقول اشتغل الذين كفروا { مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ } يعني ما أنعموا وأعطوا من المال. ويقال: ارتكبوا على ما خولوا في الدنيا واشتغلوا عما سواها من أمر الآخرة. ويقال واتبع الذين ظلموا. يعني السفلة. ما أترفوا يعني: من أترفوا وهم القادة والرؤساء. وقال الفراء: اتبعوا في دنياهم ما عودوا من النعيم وإيثار الدنيا على الآخرة { وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ } يعني مشركين قوله { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ } يعني: لم يكن ربك يعذب أهل قرية بظلم بغير جرم { وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } يعني موحدين مطيعين. وروي عن إبن عباس أنه قال: ما أهلك الله قوماً إلا بعملهم ولم يهلكهم بالشرك، يعني لم يهلكهم بشركهم وهم مصلحون لا يظلم بعضهم بعضاً. لأن مكافأة الشرك النار لا دونها. وإنما أهلكهم الله بمعاصيهم زيادة على شركهم. مثل قوم صالح بعقر الناقة، وقوم لوط بالأفعال الخبيثة، وقوم شعيب بنقصان الكيل والوزن وقوم فرعون بإيذائهم موسى عليه السلام وبني إسرائيل. ويقال وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون. أي فيهم من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وقال الفراء: لم يكن ليهلكهم وهم يتعاطون الحق فيما بينهم وإن كانوا مجرمين