التفاسير

< >
عرض

أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ
١٧
-هود

بحر العلوم

قوله تعالى: { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ } يعني على بيان من ربه، وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مّنْهُ } يقول: يقرأ جبريل هذا القرآن على محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو شاهد منه. يعني: من الله تعالى. وهذا قول ابن عباس وأبي العالية ومجاهد وقتادة وإبراهيم النخعي ويقال: أفمن كان على بينة من ربه. يعني أن الله بين أمره ونبوته بدلائل أعطاها محمداً - صلى الله عليه وسلم - (وَيَتْلُوهُ) أي: يقرأ القرآنَ جبريل على محمد - صلى الله عليه وسلم - { شَاهِدٌ مّنْهُ } أي ملك أمين من الله تعالى وهو جبريل. وقال شهر بن حوشب: القرآن شاهد من الله تعالى. ومعناه: يتلو القرآن وهو شاهد من الله تعالى. وقال الحسن: ويتلوه شاهد منه. يعني لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - وقال قتادة: لسانه شاهد منه وكذلك قال عكرمة. قال حدثنا الخليل بن أحمد قال: حدثنا السراج قال: حدثنا أبو إسماعيل قال: حدثنا صفوان بن صالح قال حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا الخليل عن قتادة عن عروة عن محمد بن علي قال: قلت لعليّ إنَّ الناس يزعمون في قوله تعالى: { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مّنْهُ } أنك أنت التالي. قال وددت أني أنا هو، ولكنه لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - . ويقال: الشاهد القرآن ويتلوه يعني بعده، ويقال يتلوه يعني يتبعه كقوله { { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلـٰهَا } [الشمس: 2]. قال القتبي: هذا كلام على الاختصار ومعناه: أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه كالذي يريد الحياة الدنيا وزينتها فاكتفى من الجواب بما تقدم كقوله { { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيْلِ سَـٰجِداً وَقَآئِماً } [الزمر: 9] يعني: كمن هو بخلاف ذلك ثم قال { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ } يعني جبريل قرأ التوراة على موسى عليه السلام من قبل أن يتلو القرآن على محمد - صلى الله عليه وسلم - وهذا قول الكلبي ومقاتل. ويقال عبد الله بن سلام يتلو القرآن وكان من قبله يتلو التوراة. والتأويل الأول أصح. لأن هذه السورة مكية وعبد الله بن سلام أسلم في المدينة. ويقال هم الذين آمنوا بمكة من أهل الكتاب حين قدموا من الحبشة ثم قال { إِمَامًا وَرَحْمَةً } يعني: إماماً يُهتدى به ويعمل به. ورحمةً. يعني ونعمة من العذاب لمن آمن به. يعني كتاب موسى عليه السلام { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } يعني بالقرآن وهذا كقوله { { فَٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } [العنكبوت: 47] يعني بالقرآن ثم قال { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأحْزَابِ } يعني: من يجحد بالقرآن { فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ } يعني: مصيره. قال سعيد بن جبير ما بلغني حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا وجدت مصداقه في كتاب الله تعالى حتى بلغني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يسمع بي أحد من هذه الأمة لا يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار" . فجعلت أقول وأتفكر أين هذا في كتاب الله؟ حتى أتيت على هذه الآية: ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده. قال هي في أهل الملل كلها ثم قال { فَلاَ تَكُ فِى مِرْيَةٍ مّنْهُ } يعني: فلا تك في شك (أَن موعده النار) { إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكَ } وهذا قول الكلبي. وقال مقاتل: فلا تك في شك أن القرآن من الله تعالى وأنه الحق من ربك. أي الصدق من ربك. رداً لقولهم إنه يقول ذلك من شيطان يلقيه إليه يقال له الري. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما من أحد إلا ومعه شيطان فاغر بين يديه. إلا أن الله تعالى أعانني عليه وأسلم" ثم قال { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ } أهل مكة { لاَ يُؤْمِنُونَ } يعني لا يصدقون بالقرآن بأنه من عند الله تعالى.