التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ
٧٧
وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ
٧٨
قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ
٧٩
قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ
٨٠
قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ
٨١
فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ
٨٢
مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ
٨٣
-هود

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِىء بِهِمْ } يقول ساءه مجيئهم { وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا } يعني صدره اغتماماً ومخافة عليهم. لا يدري أيأمرهم بالرجوع أم بالنزول { وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } يعني شديد. ثم قال لامرأته ويحك قومي واخبزي ولا تعلمي أحداً. وكانت امرأته كافرة منافقة فانطلقت تطلب بعض حاجتها وجعلت لا تدخل على أحد إلا أعلمته وتقول إن عندنا قوماً من هيئتهم كذا وكذا فلما علموا بذلك جاؤوا إلى باب لوط فذلك قوله تعالى: { وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ } يعني يسرعون إليه وهو مشي بين المشيتين. ويقال يدفعون إليه دفعاً. ويقال يشتدون إليه شداً { وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيّئَاتِ } يعني من قبل أن يبعث إليهم لوط. ويقال من قبل إتيان الرسل كانوا يعملون الفواحش وهي اللواطة والكفر. فلما أرادوا الدخول { قَالَ } لهم لوط { يٰقَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِى هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } يعني أحل لكم من ذلك (وكان لوط يناظرهم. ويقول هن أطهر لكم. وكان جبريل مع أحد عشر من الملائكة وكسروا الباب فضرب أعينهم) قال الضحاك "هؤلاء بناتي" عرض عليهم بنات قومه. وقال قتادة: أمرهم لوط أن يتزوجوا النساء وقال هن أطهر لكم ولم يعرض عليهم بناته. وروى سفيان عن ليث عن مجاهد قال: لم يكن بناته ولكن كن من أمته وكل نبي هو أب أمته. وروي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ { { ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } [الأحزاب: 6] وهو أب لهم. وهي قراءة أبي بن كعب. وهكذا قال سعيد بن جبير إنه أراد بنات أمته. ويقال إن رؤساءهم كانوا خطبوا بناته وكان يأبى. فقال لهم إني أزوجكم بناتي. هن أطهر لكم من الحرام. وكان النكاح بين الكافر والمسلم جائزاً { فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِى ضَيْفِى } يقول لا تفضحوني في أضيافي { أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ } يعني مرشداً صالحاً يزجركم عن هذا الأمر. ويقال رجل عاقل. ويقال رجل على الحق يستحي مني { قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِى بَنَاتِكَ مِنْ حَقًّ } يعني من حاجة. ويقولون ما لنا في النساء من حاجة { وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } إنما نريد الأضياف فـ { قَالَ } لوط { لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً } يعني منعة بالولد { أَوْ آوِى إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } (أي أرجع إلى عشيرة كثيرة) يعني لو كانت عشيرة ومنعة لمنعكم مما تريدون. وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "رحم الله لوطاً لقد أوى إلى ركن شديد" . يعني إن الله ناصره. وروى عكرمة عن ابن عباس قال: ما بعث الله نبياً بعد لوط إلا في عز من قومه. ويقال لما أرادوا الدخول وضع جبريل يده على الباب فلم يقدروا على فتحه فكسروا الباب ودخلوا فامتلأت داره، فمسح جبريل جناحه على وجوههم فذهبت أعينهم. كما قال في آية أُخرى { فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ } [القمر: 37] فرجعوا وقالوا يا لوط جئت بالسحرة حتى طمسوا أعيننا والله لنهلكنك غداً. فلما سمع لوط تهديدهم إياه ساءه صنيع القوم وخاف. فلما رأى جبريل ما دخله { قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ } يعني لن يقدروا أن يصنعوا بك شيئاً { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ } يعني: سر وادلج بأهلك { بِقِطْعٍ مّنَ ٱلَّيْلِ } قال الكلبي: القطع من الليل آخر السحر وقد بقيت منه قطعة. وقال السدي: سألت أعرابياً عن قوله { بِقِطْعٍ مّنَ ٱلَّيْلِ } قال ربع الليل { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ } يعني لا يتخلف منكم أحد { إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا } من العذاب. { مَا أَصَـٰبَهُمْ } قرأ ابن كثير ونافع فأسر بجزم الألف وقرأ الباقون فَأَسْرِ. ومعناهما واحد. يقال سريت وأسريت إذا سرت بالليل. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو "إِلاَّ امْرأتُكَ" بضم التاء وقرأ الباقون بالنصب. فمن قرأ بالنصب انصرف إلى الإسراء يعني أسر بأهلك إلا امرأتَكَ على معنى الاستثناء. وفي قراءة ابن مسعود فاسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتَكَ. ومن قرأ بالضم فهو ظاهر يعني أنها تتخلف مع الهالكين وقال لوط لجبريل عليه السلام إن أبواب المدينة قد أُغلقت فجمع لوط أهله وابنتيه ريثا وزغورا فحمل جبريل لوطاً وابنتيه وماله على جناحه إلى مدينة ذعر وهي إحدى مدائن لوط وهي (خمس مدائن) وهي على أربعة فراسخ من سدوما ولم يكونوا على مثل عملهم فقال له جبريل { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ } يعني هلاكهم وقت الصبح. فقال لوط يا جبريل الآن عجل هلاكهم. فقال له جبريل { أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } فلما كان وقت الصبح أدخل جبريل جناحه تحت أرض المدائن الأربعة فاقتلعها من الماء الأسود ثم صعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح وصياح الديك ثم قلبها فجعل عاليها سافلها فأقبلت تهوي من السماء إلى الأرض. فذلك قوله { فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَـٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً } قال وهب بن منبه: لما رفعت إلى السماء أمطر الله عليهم الكبريت والنار ثم قلبت. وقال مقاتل أمطر على أهلها من كان خارجاً من المدائن الأربعة حجارة { مّن سِجّيلٍ } يعني من طين مطبوخ كما يطبخ الآجر { مَّنْضُودٍ } يعني متتابع بعضه على أثر بعض. وقال مجاهد سجيل بالفارسية سنج وجك كقوله { حِجَارَةً مِّن طِينٍ } [الذاريات: 33] وروي عن ابن عباس في بعض الروايات قال سنك وكل وقال أبو عبيدة السجيل الشديد. منضود أي ملتزق بالحجارة { مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبّكَ } قال الفراء مخططة بالحمرة والسواد في البياض. وقال أبو عبيدة: مسومة أي معلمة. ويقال مكتوب على كل حجر اسم صاحبه الذي يصيبه. ويقال مختمة، وقال وكيع رفع إلى حجر منها بطرسوس ثم قال { وَمَا هِى مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِبَعِيدٍ } يعني من قوم لوط عليه السلام. ويقال هذا تهديد لأهل مكة وغيرهم من المشركين فقال وما هي من الظالمين ببعيد لكيلا يعملوا مثل عملهم. ويقال وما هن من الظالمين ببعيد قريات لوط ليست ببعيدة من أهل مكة فأمرهم بأن يعتبروا بها وقال الزجاج: سجيل يعني ما كتب لهم أن يعذبوا به. ويقال سجيل من سجلته يعني أرسلته. ومعناه حجارة مرسلة عليهم. ويقال كثيرة شديدة