التفاسير

< >
عرض

وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ
٩٠
قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ
٩١
قَالَ يٰقَوْمِ أَرَهْطِيۤ أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
٩٢
وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَٰمِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَٰذِبٌ وَٱرْتَقِبُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ
٩٣
-هود

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ } يعني وتوبوا إلى الله. { إِنَّ رَبّى رَحِيمٌ } بعباده { وَدُودٌ } يعني: متودد إلى أوليائه بالمغفرة. ويقال محب لأهل طاعته. ويقال الودود بمعنى الواد. قوله تعالى: { قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ } يعني لا نعقل ما تدعونا إليه من التوحيد ومن وفاء الكيل والوزن. يعنون إنك تدعونا إلى شيء خلاف ما كنا عليه وآباؤنا { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا } يعني ومع ذلك أنت ضعيف فينا. وقال مقاتل يعني ذليلاً لا قوة لك ولا حيلة. وقال الكلبي يعني ضرير البصر. ويقال إنه ذهب بصره من كثرة بكائه من خشية الله تعالى. ويقال وحيداً لم يوافقك من عظمائنا أحد { وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَـٰكَ } يعني لولا عشيرتك لقتلناك، لأنهم كانوا يقتلون رجماً. وقال القتبي: أصل الرجم الرمي. كقوله { { وَجَعَلْنَـٰهَا رُجُوماً لِّلشَّيَـٰطِينِ } [الملك: 5] ثم قد يستعار ويوضع موضع الشتم. إذ الشتم رمي. كقوله { { لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ } [مريم: 46] يعني لأشتمنك ويوضع موضع الظن كقوله { { رَجْماً بِٱلْغَيْبِ } [الكهف: 22] أي ظناً. والرجم أيضاً الطرد واللعن. وقيل للشيطان رجيم لأنه طريد يرجم بالكواكب. وقد يوضع الرجم موضع القتل لأنهم كانوا يقتلون بالرجم ولأن ابن آدم قتل أخاه بالحجارة. فلما كان أول القتل رجماً سمي القتل رجماً وإن لم يكن بالحجارة ثم قالوا { وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } يعني بكريم ويقال بعظيم يعني: لا خطر لك عندنا لولا حرمة عشيرتك. ويقال ما قتلك علينا بشديد ثم { قَالَ } لهم شعيب عليه السلام { يٰقَوْمِ أَرَهْطِى أَعَزُّ عَلَيْكُم مّنَ ٱللَّهِ } يعني حرمة قرابتي أعظم عندكم من حرمة الله تعالى. ويقال خوفكم من عقوبة قرابتي أكبر من خوف الله. ويقال عشيرتي أعظم عليكم من كتاب الله تعالى. (ومن أمره) { وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيّاً } يقول تركتم أمر الله تعالى وراءكم خلف ظهوركم وتعظمون أمر رهطي وتتركون تعظيم الله تعالى ولا تخافونه وهذا قول الفراء. وقال الزجاج: معناه: اتخذتم أمر الله وراءكم ظهرياً. أي نبذتموه وراء ظهوركم. (والعرب تقول لكل من لا يعبأ بأمر قد جعل فلان هذا الأمر بظهره. وقال الأخفش وراءكم ظهرياً) يقول لم تلتفتوا إليه { إِنَّ رَبّى بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } يعني عالماً بأعمالكم من نقصان الكيل والوزن وغيره والإحاطة هي إدراك الشيء بكماله ثم قال تعالى { وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } يعني اعملوا في هلاكي وفي أمري { إِنّى عَـٰمِلٌ } في أمركم، والمكانة والمكان بمعنى واحد. ثم قال { سَوْفَ تَعْلَمُونَ } وهذا وعيد لهم { مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } يعني يهلكه ويهينه { وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ } يعني ستعلمون من هو كاذب. ويقال معناه: من يأتيه عذاب يخزيه ويخزي أمره من هو كاذب على الله، بأن معه شريكاً { وَٱرْتَقِبُواْ } يعني انتظروا بي العذاب { إِنّى مَعَكُمْ رَقِيبٌ } يعني منتظر بكم العذاب في الدنيا.