التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ
١
مِن شَرِّ مَا خَلَقَ
٢
وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ
٣
وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ
٤
وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ
٥
-الفلق

بحر العلوم

قوله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلْفَلَقِ } يعني قل يا محمد أعتصم وأستعيذ وأستعين بخالق الخلق والفلق الخلق وإنما سمي الخلق فلقاً لأنهم فُلِقُوا من آبائهم وأمهاتهم ويقال (أعوذ برب الفلق) يعني بخالق الصبح، ويقال فالق الحب والنوى قال الله تعالى { { إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ } [الأنعام: 95] وقال { { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ } [الأنعام: 96] ويقال الفلق واد في جهنم، ويقال جب في النار
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال
"الفلق شجرة في جهنم فإن أراد الله أن يعذب الكافر بأشد العذاب يأمره أن يأكل من ثمرها"
وروي عن كعب الأحبار أنه دخل في بعض الكنائس التي للروم فقال: أخسر عمل وأضلُّ قوم قد رضيت لكم بالفلق فقيل له ما الفلق يا كعب؟ قال: بئر في النار إذا فتح بابها صاح جميع أهل النار من شدة عذابها
ثم قال عز وجل { مِن شَرّ مَا خَلَقَ } قال الجن والإنس وقال الكلبي من شر ما خلق يعني من شر ذي شر. ثم قال عز وجل { وَمِن شَرّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } يعني ظلمة الليل إذا دخل سواد الليل في ضوء النهار ويقال (إذا وقب) يعني إذا جاء وأدبر وقال القتبي (الغاسق) الليل والغسق الظلمة ويقال الغاسق القمر إذا انكسف واسودّ (إذا وقب) يعني إذا دخل في الكسوف
ثم قال تعالى { وَمِن شَرّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ } يعني الساحرات الموخزات المهيجات اللواتي ينفثن في العقد ثم قال عز وجل { وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } يعني كل ذي حسد أراد به لبيد بن أعصم اليهودي ويقال لبيد بن عاصم وروى الأعمش عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم قال سحر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ من اليهود عقد له عقداً فاشتكى لذلك أياماً فأتاه جبريل - عليه السلام - فقال له: إن رجلاً من اليهود سحرك فبعث علياً رضي الله عنه واستخرجها فحلّها فجعل كلما حل عقدة وجد النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك خفة حتى حلها كلها فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنما نشط من عقال فما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك لليهود
وروي في خبر آخر أن لبيد بن أعصم اتخذ لعبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأخذ من عائشة رضي الله عنها فأفحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل في اللعبة أحد عشر عقدة ثم ألقاها في بئر، وألقى فوقها صخرة فاشتكى من ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شكواً شديداً فصارت أعضاؤه مثل العقد فبينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين النائم واليقظان إذ أتاه ملكان أحدهما جلس عند رأسه والآخر عند قدميه فالذي عند قدميه يقول للذي عند رأسه ما شكواه قال السحر قال من فعل به؟ قال لبيد بن أعصم اليهودي قال فأين صنع السحر قال في بئر كذا قال ماذا رأوه يبعث إلى تلك البئر فنزح ماؤها فإنه انتهى إلى الصخرة فإذا رأها فليقلعها فإن تحتها كؤبة وهي كؤبة قد سقطت عنقها وفيه إحدى عشرة عقدة فيحرق في النار فيبرأ إن شاء الله تعالى فاستيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد فهم ما قالا فبعث عمار بن ياسر وعلياً رضي الله عنهما إلى تلك البئر في رهط من أصحابه فوجدوها كما وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم فنزلت هاتان السورتان وهي إحدى عشرة آية فكلما قرأ آية حل منها عقدة حتى انحلت كلها ثم أحرقها بالنار فبرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروي في بعض الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ما سأل منها سائل ولا استعاذ مستعيذ بمثلها قط وهذه الآية دليل أن الرقية جائزة إن كانت بذكر الله تعالى وبكتابه والله أعلم بالصواب.