التفاسير

< >
عرض

قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ
١٠
قَالُواْ يَٰأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ
١١
أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
١٢
قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ
١٣
-يوسف

بحر العلوم

قوله تعالى: { قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ } يعني من إخوة يوسف { لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ } فإن قتله عظيم. وقال الكلبي: كان صاحب هذا القول يهوذا، لم يكن أكبرهم ولكن كان أعقلهم. وقال قتادة والضحاك: صاحب هذا القول روبيل وكان أكبر القوم سناً. { وَأَلْقُوهُ فِى غَيَابَةِ ٱلْجُبّ } يعني اطرحوه في أسفل الجب. وقال الزجاج: الغيابة كل ما غاب عنك (أو غيب شيئاً عنك) قرأ نافع غيابات بلفظ الجماعة وقرأ الباقون غَيَابَةِ لأن المعنى على موضع واحد. وروي عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ غَيْبَةِ الْجُبِّ. وقال الزجاج الجُبُّ البئر التي ليست بمطوية. سميت جُبًّا لأنها قطعت قطعاً ولم يحدث فيها غير القطع. ثم قال { يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ } يعني يأخذه بعض من يمر عليه من المسافرين { إِن كُنتُمْ فَـٰعِلِينَ } يعني إن كنتم لا بد فاعلين من الشر الذي تريدون. وروي عن الحسن ومجاهد أنهما قرآ "تلتقطه" بالتاء ومعناه تلتقطه السيارة وينصرف إلى المعنى. فلما قال لهم ذلك يهوذا أو روبيل أطاعوه بذلك وجاءوا إلى أبيهم و { قَالُواْ يأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ } أن ترسله معنا { وَإِنَّا لَهُ لَنَـٰصِحُونَ } يعني لحافظون ويقال محبون مشفقون. قرأ أبو جعفر القاريء المدني "لاَ تَأْمَنَّا" بجزم النون. وقرأ الباقون بإشمام النون إلى الرفع لأن أصلها تأمَنْنَا فأدغمت إحداهما في الأُخرى وأقيم التشديد مقامه وبقي رفعه ثم قال: { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً } يعني أخوة يوسف قالوا لأبيهم: أرسل يوسف معنا إلى الغنم { يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } قال مجاهد: يحفظ بعضنا بعضاً ونتحارس وقال قتادة: نشط ونسعى ونلهو وقال القتبي من قرأ بتسكين العين أي نأكل. يقال رتعت الإبل إذا رعت. ومن قرأ بكسر العين أراد به نتحارس ويرعى بعضنا بعضاً أي يحفظ. قرأ إبن كثير نَرْتَعِ بالنون وكسر العين ونلعب بالنون. وقرأ نافع يَرْتَعِ بالياء وكسر العين. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ بالياء وجزم العين. وقرأ أبو عمرو وإبن عامر "نَرْتَعُ وَنَلْعَبْ" بالنون وجزم العين. واتفقوا في جزم الباء. قال أبو عبيدة قلت لأبي عمرو كيف يقولون نلعب وهم أنبياء؟ قال لم يكونوا يومئذ أنبياء. قال أبو الليثرحمه الله : لم يريدوا به اللعب الذي هو منهى عنه وإنما أرادوا به المطايبة في خروجهم. وفيه دليل أن القوم إذا خرجوا من المصر فلا بأس بالمطايبة والمزاح في غير مأثم ويقال: يرتع ويلعب يعني: يجيء ويذهب حتى يتشجع ويترجل. ويقال: حتى نجمع النفع والسرور { وَإِنَّا لَهُ لَحَـٰفِظُونَ } لا يصيبه أذىً ولا مكروه، وإنا مشفقون عليه { قَالَ } لهم يعقوب: { إِنّى لَيَحْزُنُنِى أَن تَذْهَبُواْ بِهِ } يعني إن ذهابكم به ليحزنني قرأ نافع "ليُحْزِنُنِي" بضم الياء وكسر الزاي. وقرأ الباقون بنصب الياء وضم الزاي ومعناهما واحد. ثم قال { وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذّئْبُ } يعني أخاف أن تضيعوه فيأكله الذئب { وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَـٰفِلُونَ } يعني مشغولين في أمركم. قرأ أبو عمرو والكسائي ونافع في رواية ورش الذِّيبُ؟ بغير همز. وقرأ الباقون بالهمز. وهما لغتان. وروي عن بعض الصحابة أنه قال: لا ينبغي أن يلقن الخصم بحجةٍ. لأن إخوة يوسف كانوا لا يعلمون أن الذئب يأكل الناس إلى أن قال ذلك يعقوب. وإنما قال ذلك يعقوب لأنه رأى في المنام أن ذئباً كان يعدو على يوسف فأنجاه بنفسه.