التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٢١
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
٢٢
وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ
٢٣
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ
٢٤
-يوسف

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَقَالَ ٱلَّذِى ٱشْتَرَاهُ مِن مّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ } (قال ابن عباس كان اسمه قطيفر وهو العزيز) قال لامرأته واسمها زليخا { أَكْرِمِى مَثْوَاهُ } يعني منزله وولايته { عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا } في ضياعنا وغلاتنا على وجه التبرك به { أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا } يقول نتبناه فيكون ابناً لنا. وروى ابن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين قال لامرأته { أَكْرِمِى مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا }. وبنت شعيب التي قالت { يٰأَبَتِ ٱسْتَأجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَأجَرْتَ ٱلْقَوِىُّ ٱلأَمِينُ } [القصص: 26]. وأبو بكر حين تفرس في عمر وولاه من بعده. قال الله تعالى { وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى ٱلأَرْضِ } يعني في أرض مصر وهي (أربعين فرسخاً في أربعين فرسخاً) { وَلِنُعَلّمَهُ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } يعني كي يلهمه تعبير الرؤيا وغير ذلك من العلوم { وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ } إذا أمر بشيء لا يقدر أحد أن يرد أمر الله تعالى إذا أراد بأحد من خلقه. ويقال والله تعالى غالب على أمره يعني وليته فيتم أمر يوسف الذي هو كائن { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } يعني أهل مصر. ويقال يعني أهل مكة لا يعلمون أن الله تعالى غالب على أمره. قوله تعالى: { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ } يعني تمت قوة نفسه وعقله. ويقال بلغ مبلغ الرجال. ويقال الأشد بلوغ ثلاثين سنة. وقال الضحاك: يعني بلغ ثلاثاً وثلاثين سنة ويقال الأشد ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثمان وثلاثين سنة { آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا } أي: أكرمناه بالنبوة والعلم والفهم والفقه فجعلناه حكيماً وعليماً { وَكَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } يعني هكذا نكافىء من أحسن. ويقال هكذا نجزي المخلصين في العمل بالفهم والعلم. قوله تعالى: { وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ } يعني: راودته عما أرادت عليه مما تريد النساء من الرجال فعلم بذكره ذكر الفاحشة. ومعناه طلبت إليه أن يمكنها من نفسه. يعني امرأة العزيز واسمها زليخا. { وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ } عليها وعلى يوسف وجعلت تغره وتمازحه ويوسف يعظها بالله ويزجرها. وروي عن ابن عباس أنه قال: كان يوسف إذا تبسم رأيت النور في ضواحكه وإذا تكلم رأيت شعاع النور في كلامه يذهب من بين يديه. ولا يستطيع آدمي أن ينعت نعته. فقالت له: يا يوسف ما أحسن عينيك؟ قال هما أول شيء يسيلان إلى الأرض من جسدي. ثم قالت يا يوسف ما أحسن ديباج وجهك قال هو للتراب يأكله. ثم قالت يا يوسف ما أحسن شعرك قال هو أول ما ينتشر من جسدي { وَقَالَتْ } يا يوسف { هَيْتَ لَكَ } قرأ حمزة والكسائي وعاصم "هَيْتَ" بنصب الهاء والتاء يعني أقبل. ويقال هلم إلي والعرب تقول هيت فلان لفلان إذا دعاه وصاح به وهكذا قرأ ابن مسعود وابن عباس والحسن وقرأ ابن عامر في رواية هشام "هِئْيتُ" بكسر الهاء والهمز وضم التاء بمعنى تهيأت لك. وقرأ ابن كثير "هَيْتُ" لك بنصب الهاء وضم التاء ومعناه: أنا لك وأنا فداؤك. وقرأ نافع وابن عامر في إحدى الروايتين "هِيْتَ" بكسر الهاء ونصب التاء بغير همز. { قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ } يعني: قال يوسف أعوذ بالله أن أعصيه وأخونه { إِنَّهُ رَبّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَ } يعني إن سيدي الذي اشتراني أحسن إكرامي فلم أكن لأفعل بامرأته ذلك { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } يعني لا ينجو الزناة من عذاب الله تعالى. وفي هذه الآية دليل أن معرفة الإحسان واجب. لأن يوسف امتنع عنها لأجل شيئين لأجل المعصية والظلم ولأجل إحسان الزوج إليه. قوله تعالى: { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } روى حماد بن سلمة عن الكلبي أنه قال: كان من همها أنها دعته إلى نفسها واضجعت. وهَمَّ بها بالموعظة والتخويف من الله تعالى وقيل: إنه حل سراويله وجلس بين رجليها { لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ } يقول مثل له يعقوب في الحائط عاضاً على شفتيه فاستحيى فتنحى بنفسه، وقال وهب بن منبه لم تزل تخدعه حتى هم بها ودخل معها في فراشها، فنودي من السماء مهلا يا يوسف فإنك لو وقعت في الخطيئة محي اسمك عن ديوان النبوة. وروى ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه سئل عن قوله { لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } ما بلغ من همه قال أطلق هيمانه. فنودي يا يوسف لا تكن كالطائر له ريش فزنا فسقط ريشه، ويقال كان همها هم إرادة وشهوة وهمه هم اضطرار وغلبة. وقال بعضهم كان همه حديث النفس والفكر، وحديث النفس والفكر مرفوعان. وقال بعضهم هم بها يعني يضربها وقال بعضهم يعني هم بالفرار عنها وقال بعضهم: { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ } تم الكلام. ثم { وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ } يعني لما رأى البرهان لم يهم بها. فقد قيل هذه الأقاويل والله أعلم. وقد روي في الخبر أنه ليس من نبي إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة غير يحيى بن زكريا ولكنهم كانوا معصومين من الفواحش قوله تعالى: { لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ } روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: مثل له يعقوب فضرب بيده على صدره فخرجت شهوته من أنامله. وقال محمد بن كعب لَوْلاِ أَن رَأَى بُرْهَانَ رَبَّهِ قال لولا أن قرأ القرآن من تحريم الزنا وذلك أنه استقبل بكتاب الله تعالى { { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً } [الإسراء: 32]. قال الله تعالى { كَذٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوء وَٱلْفَحْشَاء } يقول: هكذا صرفت السوء والفحشاء عن يوسف بالبرهان حين استعاذ إليّ بقوله معاذ الله ثم قال { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } بالتوحيد والطاعة. قرأ إبن كثير وأبو عمرو وإبن عامر "الْمُخْلِصِينَ" بكسر اللام ومعناه ما ذكرناه. وقرأ الباقون "الْمُخْلَصِينَ" بالنصب يعني المعصومين من الذنوب والفواحش. ويقال أخلصه الله تعالى بالنبوة والرسالة والإسلام