التفاسير

< >
عرض

فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٣٤
ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ
٣٥
وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيۤ أَرَانِيۤ أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ ٱلآخَرُ إِنِّي أَرَانِيۤ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ
٣٦
قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيۤ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
٣٧
-يوسف

بحر العلوم

قوله تعالى: { فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ } فيما دعاه { فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ } يعني فعلهن، وشرهن { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } يسمع لمن دعاه يعني: السميع للدعاء فيما دعاه يوسف. العليم به. ثم إن المرأة قالت لزوجها إن هذا الغلام العبراني لا ينقطع عني وقد فضحني في الناس يعتذر إليهم ويخبرهم أنني راودته عن نفسه ولست أطيق أن أعتذر بعذري. فإِما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر إلى الناس وأخبرهم بحالي وإما أن تحبسه حتى ينقطع حديثه فذلك قوله تعالى: { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَـٰتِ } يعني ثم بدا للزوج من بعد ما رأى شق القميص وقضاء إبن عمها بينهما { لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ } قال الكلبي: سجنه خمس سنين. ويقال حتى حين. يعني إلى يوم من الأيام وإلى وقت من الأوقات. قوله تعالى: { وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسّجْنَ فَتَيَانِ } يعني حبس معه في السجن الخباز والساقي، عبدان للملك غضب عليهما. يعني صاحب شرابه وصاحب مطعمه { قَالَ أَحَدُهُمَا } ليوسف { إِنّى أَرَانِى } في المنام { أَعْصِرُ خَمْراً } يعني عنباً بلغة عمان. قال الضحاك إن ناساً من العرب يسمون العنب خمراً. ويقال معناه أعصر العنب الذي يكون عصيره خمراً. وذلك أنه قال رأيت في المنام كأني دخلت كرماً فيه حبلة حسنة فيها ثلاث من القضبان وفي القضبان ثلاثة عناقيد عنب قد أينع وبلغ. فأخذته وعصرته في الكأس ثم أتيت به الملك فسقيته. { وَقَالَ ٱلآخَرُ إِنّى أَرَانِى أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِى خُبْزًا } يقول رأيت في المنام كأني أحمل فوق رأسي ثلاث سلال خبزاً { تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ نَبّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ } يقول: أخبرنا بتفسير هذه الرؤيا { إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } أي من الموحدين وذلك أنه ينصر المظلوم ويعين الضعيف وكان يداوي مرضاهم ويعزي مكروبهم. فإذا احتاج واحد منهم قام وجمع له شيئاً. ويقال إنا نراك من المحسنين. يعني من الصادقين في القول. ويقال كان متعبداً لربه. ويقال كان أهل السجن يجتمعون عنده ويسألونه أشياء فيخبرهم. فقالا إنا نراك من المحسنين. يعني نراك عالماً وقد أحسنت العلم { قَالَ } لهما يوسف عليه السلام { لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ } يعني تطعمانه { إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ } يقول أخبرتكما بتفسيره وألوانه { قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا } الطعام. وإنما أراد بذلك أن يبين لهما علامة نبوته. وهذا مثل قول عيسى عليه السلام لقومه { وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ } [آل عمران: 49] فلما أخبر يوسف بذلك. قالا وكيف تعلم ولست بساحر ولا عراف ولا كاهن قال يوسف { ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِى رَبّى } أراد أن يبين لهما علامة نبوته لكي يسلما. ثم قال { إِنّى تَرَكْتُ } يعني تبرأت من { مِلَّةَ قَوْمٍ } يعني دين قوم { لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } أي لا يصدقون بوحدانيته { وَهُمْ بِٱلاْخِرَةِ هُمْ كَـٰفِرُونَ } يعني بالبعث جاحدون. ثم