التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
٥
وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ ءَالِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٦
-يوسف

بحر العلوم

قال تعالى { قَالَ يَـا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُءيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ } فلما قصها على أبيه انتهره وزجره. وقال ليوسف في السر: إذا رأيت رؤيا بعد هذا فلا تقصها على إخوتك { فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً } يعني يعملوا بك عملاً ويحتالوا بك حيلة في هلاكك. فإن قيل: قوله "رأيتهم" هذا اللفظ يستعمل في العقلاء. وفي غير العقلاء يقال رأيتها ورأيتهن فكيف قال ها هنا رأيتهم؟ قيل له لأنه حكى عنها الفعل الذي يكون من العقلاء وهي السجدة. فذكر باللفظ الذي يوصف به العقلاء { إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لِلإِنْسَـٰنِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } ظاهر العداوة. قرأ أبو جعفر القاريء المدني أَحَدَ عْشَرَ بجزم العين. وقراءة العامة أَحَدَ عَشَرَ بالنصب. قال أبو عبيدة هكذا تقرؤها لأنها أعرف اللغتين. والناس عليه. ثم قال { وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ } يقول يصطفيك ويختارك بالنبوة. قال بالحسن والجمال والمحبة في القلوب { وَيُعَلّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } يعني من تعبير الرؤيا. ويقال: يعني: هي الكتب المنزلة. ويقال عواقب الأمور. يعني يفهمك حتى تكون عالماً بعواقبها. { وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } يعني يثبتك على الإسلام. ويقال: بالنبوة والإسلام { وَعَلَىٰ ءالِ يَعْقُوبَ } يعني: إِخوة يوسف { كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْحَـٰقَ } وأكرمهما بالنبوة وثبتهما على الإسلام. قال الزجاج: وقد فسر له يعقوب الرؤيا. فالتأويل أنه لما قال يوسف: { إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا } تأول لأحد عشر نفساً لهم فضل وأنهم يستضاء بهم. لأن الكواكب لا شيء أضوء منها. وتأول الشمس والقمر أبويه. فالقمر الأب والشمس الأم والكواكب إخوته. فتأول ليوسف أنه يكون نبياً وأَن إِخوته يكونون أنبياء. لأنه أعلمه أن الله تعالى يتم نعمته عليه وعلى إخوته كما أتمها على أبويه إبراهيم وإسحاق ويقال كما أتمها على أبويك حين رأى إبراهيم في المنام ذبح إبنه فأمره الله تعالى أن يفديه. وروي عن سعيد بن جبير عن إبن عباس أنه كان يجعل الجد أباً ثم يقرأ هذه الآية { كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىٰ أَبَوَيْكَ } ثم قال { إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } يعني عليم بما صنع به إخوته. حكيم بما حكم من إتمام النعمة عليه