التفاسير

< >
عرض

لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ
٧
إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٨
ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ
٩
-يوسف

بحر العلوم

قوله تعالى: { لَّقَدْ كَانَ فِى يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ءايَـٰتٌ لّلسَّائِلِينَ } قرأ إبن كثير "آية" بلفظ الوحدان. وهكذا قرأ مجاهد. يعني فيه علامة لنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -وقرأ الباقون "آيات" بلفظ الجماعة. وهذا موافق لمصحف الإمام عثمان. حكى أبو عبيدة أنه رأى في مصحف الإمام هكذا. ومعنى الآية أن في خبر يوسف وإخوته عبرة وموعظة لمن سأل عن أمرهم. قال ابن عباس وذلك أن حبراً من أحبار اليهود دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم وكان قارئاً للتوراة. فوافق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ سورة يوسف كما أُنزلت في التوراة. فقال له الحبر يا محمد من علمكها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ علمنيها. فرجع الحبر إلى اليهود فقال لهم أتعلمون والله إن محمداً يقرأ سورة يوسف كما أُنزلت في التوراة؟ فانطلق بنَفرٍ منهم حتى جاءوا ودخلوا عليه فجعلوا يستمعون إلى قراءته ويتعجبون. فقالوا يا محمد من علمكها؟ قال الله علمنيها فنزلت: { لَّقَدْ كَانَ فِى يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ءايَـٰتٌ لّلسَّائِلِينَ }. وكان بدء أمرهم أن يعقوب عليه السلام كان مع خاله، وكان لخاله ابنتان إحداهما "لايا" ويقال "لاواه" وهي أكبرهما، والأخرى "راحيل" وهي أصغرهما، فخطب يعقوب إلى خاله بأن يزوجه إحداهما، فقال له خاله هل لك مال؟ قال لا، ولكن أعمل لك، قال صداقها أن ترعى لي سبع سنين، وفي بعض الروايات قال أن تخدمني سبع سنين، فقال يعقوب أخدمك سبع سنين على أن تزوجني راحيل، وهي شرطي، قال ذلك بيني وبينك، فرعى له يعقوب سبع سنين، فلما قضى الأجل زفت إليه الكبرى وهي لايا، قال يعقوب إنك خدعتني وإنما أردت راحيل، فقال له خاله إنا لا ننكح الصغيرة قبل الكبيرة فهلم فاعمل لي سبع سنين أُخرى، أزوجك أختها، وكان الناس يجمعون بين الأختين إلى أن بعث الله موسى عليه السلام، فرعى له سبع سنين فزوجه راحيل فجمع بينهما، وكان خاله حين جهزها دفع إلى كل واحدة منهما أمة تخدمها. فوهبتا الأمتين ليعقوب فولدت لايا أربعة بنين وولدت راحيل اثنين. وولدت كل واحدة من الأمتين ثلاثة بنين. فجملة بنيه اثنا عشر سوى البنات
قال الفقيه أبو الليث سمعت أهل التوراة يقولون إن أسماء أولاد يعقوب مبينة في التوراة. زوبيل وشمعون ويهوذا ولارى فهؤلاء من امرأته لايا، ويوسف وبنيامين من امرأته الأُخرى راحيل، والستة الباقون من الأمتين خورية وبالعربية يساخر، وزبلون وبالعربية زبالون ودون ونفتال وحوذ وبالعربية حاذ وروى بعضهم خاذ بالخاء وأوشر. فأراد يعقوب أن يخرج إلى بيت المقدس ولم يكن له نفقة، وكان ليوسف خال له أصنام من ذهب فقالت لايا ليوسف إذهب واسرق من أصنامه فلعلنا نستنفق به فذهب يوسف (فأخذها) وكان يوسف أعطف على أبيه وكان أحب أولاده إليه فحسده إخوته مما رأوا من حب أبيه له ورأى يوسف في المنام أن أحد عشر كوكباً والشمس والقمر ساجدين له { إِذْ قَالُواْ } عند ذلك { لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ } بنيامين { أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } يعني جماعة عشرة، فهو يؤثرهما علينا في المنزلة والحب { إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلٰلٍ مُّبِينٍ } يعني في خطأ بين في حب يوسف وأخيه حيث قدم الصغيرين في المحبة علينا ونحن جماعة ونفعنا أكثر من نفعهما. وقال مقاتل كان فضل حسن يوسف على الناس في زمانه كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب. وقال القتبي: العصبة ما بين العشرة إلى الأربعين. ثم قال بعضهم لبعض { ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضًا } بعيداً من أبيكم { يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ } يقول ليقبل لكم أبوكم بوجهه ويصف لكم وجهه. ويقال: يصلح حالكم عند أبيكم وتكونوا من بعِدِهِ قوماً صالحين. يعني تصلح أحوالكم عند أبيكم بعد ذهاب يوسف. ويقال وتكونوا من بعد هلاكه قوماً تائبين إلى الله تعالى. وقال بعض العلماء هكذا يكون المؤمن يهيىء التوبة قبل المعصية.