التفاسير

< >
عرض

وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ
٢٣
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ
٢٤
تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
٢٥
-إبراهيم

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } يعني: وحدوا الله وأدوا الفرائض وانتهوا عن المحارم { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } وهي الأنهار التي ذكرت في آية أُخرى { { أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ } الآية { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } مقيمين في الجنة لا يموتون فيها ولا يخرجون منها { بِإِذْنِ رَبّهِمْ } بأمر سيدهم { تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَـٰمٌ } يعني: يسلم بعضهم على بعض. ويقال لهم التحية من الله تعالى. قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً } يقول كيف بين الله شبهاً { كَلِمَةً طَيّبَةً } وهي كلمة الإخلاص لا إله إلا الله. لا تكون في كلمة التوحيد زيادة ولا نقصان ولكن يكون لها مدد. وهو التوفيق بالطاعات في الأوقات { كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ } وهي النخلة. كما أنه ليس في الثمار شيء أحلى وأطيب من الرطب فكذلك ليس في الكلام شيء أطيب من كلمة الإخلاص. ثم وصف النخلة فقال { أَصْلُهَا ثَابِتٌ } يعني: في الأرض { وَفَرْعُهَا فِى ٱلسَّمَاء } يعني رأسها في الهواء فكذلك الإخلاص يثبت في قلب المؤمن كما تثبت النخلة في الأرض فإذا تكلم المؤمن بالإخلاص فإنها تصعد في السماء كما أن النخلة رأسها في السماء وكما أن النخلة لها فضل على سائر الشجر في الطول واللون والطيب والحسن فكذلك كلمة الإخلاص لها فضل على سائر الكلام. فهذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن. يقول المعرفة في قلب المؤمن العارف ثابتة كالشجرة الثابتة في الأرض بل هي أثبت لأن الشجرة تقطع ومعرفة العارف لا يقدر أحد أن يخرجها من قلبه إلا المعرف الذي عرفه. ويقال وفرعها في السماء يعني: ترفع أعمال المؤمن المصدق إلى السماء. لأن الأعمال لا تقبل بغير إيمان. لأن الإيمان أصل. والأعمال فروعه فترفع الأعمال ويقبل منه. ثم قال { تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ } يعني: تخرج ثمارها في كل وقت وتخرج منها في كل وقت من ألوان المنفعة كل حين يعني في كل وقت. روى الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس أنه قال تؤتي أكلها كل حين يعني غدوة وعشية. وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال النخلة يكون حملها شهرين، فنرى أن الحين شهران. وروى هشام بن حسان عن عكرمة أنه قال حلف رجل فقال إن فعلت كذا إلى حين فعليَّ كذا فأرسل عمر بن عبد العزيز إلى ناس من الفقهاء فسألهم فلم يقولوا شيئاً. قال عكرمة فقلت: إن من الحين حيناً لا يدرك كقوله تعالى: { { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ } [ص: 88] وقوله: { { وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } [يونس: 98] ومنها ما يدرك كقوله: { تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ } فأراد ما بين خروج الثمرة إلى صرامها فأراد به ستة أشهر. قال فأعجب أي فرح بذلك عمر ابن عبد العزيز. وروي عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن امرأة حلفت ألاَّ تدخل على أهلها حيناً. قال الحين ما بين طلوع الطلع إلى أن يجد وبين أن يجد إلى أن يطلع الطلع، يعني ستة أشهر. وعن عكرمة عن ابن عباس أنه قال الحين ما بين الثمرتين. يعني سنة. وعن وهب بن منبه أنه قال الحين السنة وعن مقاتل: سنة. وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: الحين ستة أشهر. وقال عكرمة: النخلة لا يزال فيها شيء ينتفع به إما ثمرة وإما حطبة. فكذلك الكلمة الطيبة ينتفع بها صاحبها في الدنيا والآخرة ثم قال تعالى: { بِإِذْنِ رَبِّهَا } أي: بأمر ربها { وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ } يعني يبين الأشباه { لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } يعني: يتعظون ويتفكرون في الأمثال فيوحدونه.