التفاسير

< >
عرض

وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ
٤٥
وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ
٤٦
فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ
٤٧
-إبراهيم

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَسَكَنتُمْ } يعني: نزلتم { فِى مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } يعني منازل قوم عاد وثمود { وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ } يقول: كيف عاقبناهم عند التكذيب { وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ } يقول: بينا ووصفنا لكم عصيانهم وجحودهم والعذاب الذي نزل بهم - يعني إنكم سمعتم هذا كله في الدنيا فلم تعتبروا فلو رجعتم بعد هذا اليوم لا تنفعكم الموعظة أيضاً. ثم قال تعالى: { وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ } يعني: صنعوا صنيعهم يعني: الأمم الخالية { وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ } يعني: علم الله مكرهم ولا يخفي عليه. قال علي بن أبي طالب: وعند الله مكرهم التابوت والنسور وهو نمرود بن كنعان وقومه. وروى وكيع بإسناده عن عليّ رضي الله عنه قال: إن جباراً من الجبابرة قال لا أنتهي حتى أعلم ما في السماء فاتخذ أفراخ نسور. ثم أمر بها فأطعمت اللحم حتى اشتدت وغلظت واستفحلت فاتخذ تابوتاً يسع فيه رجلان. ثم أمر بالنسور فجوعت ثم ربط أرجلها بالأوتاد وشدت بقوائم التابوت وجعل في وسط التابوت اللحم. ثم جلس في التابوت هو ورجل معه ثم أرسل النسور وجعل اللحم على رأس خشبة على التابوت فطارت النسور إلى السماء ما شاء الله. ثم قال لصاحبه انظر ماذا ترى؟ فنظر فقال أرى الجبال كأنها الدخان ثم سار ما شاء الله ثم قال انظر فنظر فقال: ما أرى إلا السماء وما نزداد منها إلا بعداً. قال: نكس الخشبة فانقضت النسور حتى سقطت إلى الأرض فسمع هزة الجبال فكادت الجبال أن تزول من أماكنها ثم قرأ عليّ رضي الله عنه { وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ } أي وقد كان مكرهم ليزيل الجبال عن أماكنها ويقال إن نمرود بن كنعان هو أول من تجبر وقهر وسن سنن السوء. وأول من لبس التاج فأهلكه الله تعالى ببعوضة في خياشمه فعذب بها أربعين يوماً ثم مات. وقال قتادة وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال يعني الكفار ادعوا لله تعالى ولداً فكاد أن يزول الجبال. ويقال يعني أهل مكة مكروا في دار الندوة وقد كاد مكرهم أن يزول منهم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمر دين الإسلام. إذ ثبوته كثبوت الجبال. لأن الله تعالى وعد لنبيه - صلى الله عليه وسلم - إظهار دين الإسلام. بدليل ما قال بعد هذا { فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ } قرأ الكسائي "لَتَزُولُ" بنصب اللام الأُولى ورفع الثاني وقرأ الباقون بكسر الأُولى ونصب الثانية "لِتَزُولَ" ومعناه ما كان مكرهم ليزول به أمر دين الإسلام إذ ثبوته كثبوت الجبال ومن قرأ "لَيَزُولُ" فمعناه وإن كان مكر الكفار ليبلغ إلى إزالة الجبال. فإن الله ينصر دينه. وروي عن ابن مسعود أن قرأ "وإنْ كَاد مَكْرُهُمْ". قوله تعالى: { فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ } يعني: في نزول العذاب بكفار مكة إن شاء عجل لهم العقوبة في الدنيا. { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍ } ذو النقم من الكفار.