التفاسير

< >
عرض

وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ
٢٢
وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ ٱلْوَارِثُونَ
٢٣
وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ
٢٤
-الحجر

بحر العلوم

قوله: { وَأَرْسَلْنَا ٱلرّيَاحَ لَوَاقِحَ } يعني: بعث الله الريح فتلقح السحاب ثم تمر به فتدر كما تدر اللقحة ثم تمطر. هذا قول ابن مسعود، وقال ابن عباس أي: في قوله { وَأَرْسَلْنَا ٱلرّيَاحَ لَوَاقِحَ } ملقحات نُلقح الأشجار، وقال قتادة لواقح أي تلقح السحاب وهكذا قال الكلبي.
قرأ حمزة "وَأَرْسَلْنَا الرِّيحَ" بلفظ الوحدان وقرأ الباقون بلفظة الجماعة. ثم قال { فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً } يعني: المطر { فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ } يعني: فأرويناكموه به أي حبستم الماء في الغدران والحياض لتسقوا الضياع والمواشي { وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَـٰزِنِينَ } أي بمالكين وحافظين، ويقال ليس مفاتيحه بأيديكم ثم قال: { وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيي وَنُمِيتُ } أي: نحيي للبعث ونميت في الدنيا، ويقال: نحيي الأرض بالمطر أيام الربيع ونميتها أيام الخريف { وَنَحْنُ ٱلْوٰرِثُونَ } أي المالكون ويقال: معناه يهلك الخلق ويبقي الرب تبارك وتعالى. قوله تعالى: { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ } أي: الأموات { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَـأخِرِينَ } يعني: الأحياء، ويقال: ولقد علمنا المستقدمين منكم في الصف الأول ولقد علمنا المستأخرين في الصف الآخر. وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس أنه قال: كانت امرأة حسناء تصلي خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان بعض القوم يتقدم الصف الأول لكيلا يراها ويتأخر بعضهم. فإذا ركع نظر من تحت إبطيه. فنزلَ { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } ويقال إن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرض الناس على الصف الأول وكان قوم بيوتهم قاصية من المسجد فقالوا لنبيعن دورنا ونشتري دوراً قريبة من المسجد حتى ندرك الصف الأول فصارت الديار البعيدة خالية فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -
"من أتى المسجد فإنه يكتب آثاره ويكتب له بكل خطوة كذا وكذا حسنة وترفع له كذا وكذا درجة" فجعل الناس يشترون الدور البعيدة من المسجد لكي يكتب لهم آثارهم فنزل { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَـخِرِينَ } وإنما يؤجرون بالنية فاطمأنوا وسكنوا. وقال مجاهد ولقد علمنا المستقدمين أي: ما مضى ولقد علمنا المستأخرين ما بقي من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وقال قتادة المستقدمين آدم ومن مات قبل نزول هذه الآية والمستأخرين من لم يخلق بعد، كلهم قد علمهم، وقال الحسن: المستقدمين في الخير والمستأخرين عنه يقول: المبطئين.