التفاسير

< >
عرض

وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ
٢٥
وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ
٢٦
وَٱلْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ
٢٧
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ
٢٨
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ
٢٩
فَسَجَدَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ
٣٠
إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ
٣١
قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ
٣٢
قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ
٣٣
قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ
٣٤
وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ
٣٥
قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
٣٦
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ
٣٧
إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ
٣٨
قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ
٣٩
إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ
٤٠
قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ
٤١
-الحجر

بحر العلوم

وقوله { وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ } يعني: يجمعهم يوم القيامة { إِنَّهُ حَكِيمٌ } حكم بحشر الأولين والآخرين { عَلِيمٌ } بهم قوله: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ } أي: آدم { مِن صَلْصَـٰلٍ } أي: من طين يتصلصل إذا مشيت عليه يتقلقل وإذا تركته ينغلق { مّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } أي: من طين أَسود منتن. وقال الأخفش أي: من طين مصبوب، ويقال مسنون أي: متغير الرائحة كقوله: { لَمْ يَتَسَنَّهْ } [البقرة: 259] ويقال: الذي أتت عليه السنون. وقال القتبي: الصلصال الطين اليابس الذي لم تصبه نار، إذا ضربته صوت وإذا مسته النار فهو فخار، والمسنون المتغير الرائحة. والحمأ جمع حمئة وهو الطين المتغير { وَٱلْجَآنَّ خَلَقْنَـٰهُ مِن قَبْلُ } يعني: إبليس ويقال: الجان أبو الجن خلقناه من قبل آدم { مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ } قال ابن عباس: هي نار لا دخان لها تكون بين السماء وبين الحجاب. وقال آخرون من نار السموم أي من نار حارة.
قال الكسائي الجن والجنة من أصل واحد { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰئِكَةِ } يعني وقد قال ربك للملائكة الذين هم في الأرض مع إبليس سكان الأرض { إِنّى خَـٰلِقٌ بَشَرًا } أي: سأخلق خلقاً { مِن صَلْصَـٰلٍ مّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } أي جمعت خلقه { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى } أي: جعلت الروح فيه { فَقَعُواْ لَهُ سَـٰجِدِينَ } أي فخروا له. أي فاسجدوا بأجمعكم { فَسَجَدَ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } يعني: سجدة التحية لا سجدة العبادة، وكانت التحية لآدم عليه السلام والعبادة لله تعالى { كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } روي عن الخليل بن أحمد أنه قال "أجمعون" على معنى توكيد بعد توكيد، وذكر عن محمد بن يزيد عن المبرد أنه قال: معناه سجدوا كلهم في حالة واحدة وقال الزجاج الأول أجود لأن أجمعين معرفة فلا يكون حالاً ثم قال { إِلاَّ إِبْلِيسَ } قال بعضهم معناه لكن إبليس لم يكن من الساجدين. لأن إبليس لم يكن من الملائكة. فيكون الاستثناء من غير جنس ما تقدم بدليل قوله:
{ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ } [الكهف: 50]. وقال بعضهم استثنى إبليس من الملائكة وكان من جنسهم إلا أنه لما لم يسجد لعن وغير عن صورة الملائكة (ولا يكون الاستثناء من غير جنس) فذلك قوله { إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّـٰجِدِينَ } أي: تعظم عن السجود لآدم مع الملائكة { قَالَ يَـا إِبْلِيسُ مَالَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ ٱلسَّـٰجِدِينَ } أي: مع الملائكة { قَالَ } أي إبليس { لَمْ أَكُن لأِسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَـٰلٍ مّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا } أي: من الأرض ويقال من الجنة { فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } أي: ملعون مطرود فألحقه بجزائر البحور { وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدّينِ } أي: طرد من رحمته يوم الحساب. قوله: { قَالَ رَبّ فَأَنظِرْنِى } أي: أجلني { إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } من قبورهم { قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ } أي: من المؤجلين { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } أي: إلى النفخة الأولى { قَالَ رَبّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى } يعني كما أضللتني عن الهدى لأجل آدم. وقال القتبي: بإغوائك إياي أي: لأضلنهم عن الهدى { أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر. "الْمُخْلِصِينَ" بكسر اللام. أي: المخلصين في العبادة ويقال الموحدين وقرأ الكسائي ونافع وحمزة وعاصم "الْمُخْلَصِينَ" بنصب اللام أي: المعصومين من الشرك. قال: حدثنا الفقيه أبو جعفر. قال: حدثنا أبو القاسم. قال: حدثنا محمد بن سلمة قال: حدثنا أحمد بن عبد الله قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن هشام عن الحسن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لما لعن إبليس قال فبعزتك لا أُفارق قلب ابن آدم حتى يموت" . قال: قيل له: وعزتي لا أحجب عنه التوبة حتى يغرغر بالموت، { قَالَ هَذَا صِرٰطٌ عَلَىَّ } أي: هذا التوحيد صراط { مُّسْتَقِيمٌ } على دلالته، وهذا قول الحسن ويقال: معناه: على ممر من أطاعك ومن عصاك كقوله: { { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } [الفجر: 14] ويقال: معناه: هذا بيدي لا بيدك. وقال الضحاك: هذا سبيل الله علي مستقيم أي عليّ هدايته ودلالته كقوله: { { وَعَلَى ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ } [النحل: 9] وروي عن ابن سيرين أنه كان يقرأ "هذا صراط عَلِيٌّ مستقيم" بكسر اللام ورفع الياء مع التنوين ومعناه هذا صراط رفيع مستقيم وهو قول قتادة أي: طريق شريف لا عوج فيه.