التفاسير

< >
عرض

قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً
١٠٧
وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً
١٠٨
وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً
١٠٩
قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً
١١٠
وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً
١١١
-الإسراء

بحر العلوم

قوله: { قُلْ ءامِنُواْ بِهِ } أي: صدقوا بالقرآن { أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ } يعني: أو لا تصدقوا، ومعناه: إن صدقتم به أو لم تصدقوا فإنه غني عن إِيمانكم وتصديقكم { إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ } يعني: أعطوا علم كتابهم وهم مؤمنو أهل الكتاب من قبل القرآن { إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } أي: يعرض عليهم القرآن عرفوه { يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ } أي: يقعون على الوجه { سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَا } أي: تنزيهاً لربنا وقال الكلبي أي نصلي لربنا { إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولاً } وقد كان وعد ربنا لمفعولاً أي: كائناً ومقدوراً. قوله: { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ } أي: يقعون على الوجوه { يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا } أي: تواضعاً ومذلة، { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ } قال الكلبي: كان ذكر الرحمن في القرآن قليلاً في بدىء ما نزل من القرآن. وقد كان أسلم ناس من اليهود منهم عبد الله بن سلام وأصحابه وكان ذكره في التوراة كثيراً. فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فنزل { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ }. قرأ حمزة والكسائي "قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أو ادْعُوا الرحمن" بكسر اللام والواو وقرأ أبو عمرو بكسر اللام في (قُلِ ادعوا). وضم الواو في "أَوُ ادْعُوا الرَّحْمَنَ" وقرأ الباقون كليهما بالضم ومعناهما واحد { أَيّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ } يعني: بأي الاسمين تدعون فهو حسن فله الأسماء الحسنى أي: له الصفات العلى. ثم قال: { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بمكة. وكان يصلي بأصحابه وإذا رفع صوته أذاه المشركون وإذا خفض لا يسمع صوته الذين خلفه. فأنزل الله تعالى ولا تجهر بصلاتك. أي بقراءتك فيؤذيك المشركون ولا تخافت بها في جميع الصلوات، يعني: لا تسر بقراءتك فلا يسمع أصحابك قراءتك { وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } يقول: بين الرفع والخفض، ويقال: معناه: ولا تجهر في جميع الصلوات ولا تخافت في جميع الصلوات وابتغ بين ذلك سبيلاً. أي: اجهر في بعض الصلوات وخافت في البعض ثم قال: { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } قال الكلبي: وذلك أنه لما نزل { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ } قالت كفار قريش: كان محمد يدعو إلهاً واحداً وهو اليوم يدعو إلهين. ما نعرف الرحمن إلاَّ صاحب اليمامة. مسيلمة الكذاب فنزل: { وَمِنَ ٱلأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ } [الرعد: 36] يعني: ذكر الرحمن. وأمره بأن يقول: { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِى ٱلْمُلْكِ } أي: لم يتخذ ولداً فيرث ملكه، ولم يكن له شريك في الملك في عظمته. وقال أبو العالية: معناه: وقل الحمد لله الذي لم يجعلني ممن يتخذ له ولداً ولم يجعلني ممن يقول له شريك في الملك { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِىٌّ مَّنَ ٱلذُّلِّ } أي: من اليهود والنصارى وهم أذل خليقة الله تعالى. يؤدون الجزية، وقال مقاتل: معناه: لم يذل فيحتاج إلى ولي يعينه، أي: لم يكن له ولي ينتصر به من الذل { وَكَبّرْهُ تَكْبِيرًا } أي: عظمه تعظيماً. ولا تقل له شريك. وروى إبراهيم بن الحكم عن أبيه أنه قال: بلغني "أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله: إني رجل كثير الدين كثير الهم. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : اقرأ آخر سورة بني إسرائيل، { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ } حتى تختمها. ثم قل توكلت على الحي الذي لا يموت ثلاث مرات "
.