التفاسير

< >
عرض

وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً
١٦
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً
١٧
مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً
١٨
وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً
١٩
-الإسراء

بحر العلوم

ثم قال: { وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً } يعني: أهل قرية { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } أي: أكثرنا جبابرتها، يقال: أَمَرَ إذَا أكثر وآمَرَ أيضاً. هما لغتان. وروي "عن زينب بنت جحش أنها قالت: دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا وحلق إبهامه بالتي تليها. قالت: قلت يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث" . ويقال: أمَرَ وآمر مثل فعل وأفعل يعني: أكثر. ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم: "خير المال مهرة مأمورة" أي: خيل كثير النتاج قرأ أبو عمرو في إحدى الروايتين ونافع في إحدى الروايتين وابن كثير في إحدى الروايتين "أَمَّرْنَا" بالتشديد بغير مد، وفي إحدى الروايتين عن ابن كثير ونافع "آمَرْنَا" بالمد والتخفيف. وقرأ الباقون بالتخفيف بغير مد. فمن قرأ بالتشديد فمعناه: سلطنا جبابرتها، ومن قرأ بالمد يعني: أكثرنا جبابرتها. ومن قرأ بالتخفيف له معنيان: أحدهما: أكثرنا جبابرتها وأشرافها، ومعنى آخر: أمرناهم بالطاعة وخذلناهم حتى تركوا الأمر وعصوا الله تعالى { فَفَسَقُواْ فِيهَا } أي: عصوا فيها { فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ } أي: وجب عليها السخط بالعذاب { فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا } أي: أهلكناها بالعذاب إِهلاكاً. قوله: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَىٰ بِرَبّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيرًا } يعني: إن الله تعالى عالم بذنوبهم قادر على أخذهم ومجازاتهم، فيه تهديد لهذه الأمة لكي يطيعوا الله تعالى ولا يعصوه فيصيبهم مثل ما أصابهم، قوله: { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَـٰجِلَةَ } أي: من كان يريد بعمله الذي افترض الله عليه ثواب الدنيا { عَجَّلْنَا لَهُ } أي: أعطينا له { فِيهَا مَا نَشَاء } من عرض الدنيا { لِمَن نُّرِيدُ } أن نهلكه { ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ } أي: أوجبنا له جهنم { يَصْلَـٰهَا } أي: يدخلها { مَذْمُومًا } ملوماً في عمله { مَّدْحُورًا } أي: مطروداً مقصيَّاً من كل خير قوله: { وَمَنْ أَرَادَ ٱلأَخِرَةَ } من المؤمنين بعمله الذي افترض الله عليه { وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا } يعني: عمل للآخرة عملها { وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا } يعني: عملهم مقبولاً ويقال: معناه: من كان غرضه وقصده وعزمه الدنيا وحطامها وزهرتها عجلنا له فيها أي للمزيد في الدنيا ما نشاء لمن نريد يعني لمن نريد أن نعطيه بإرادتنا لا بإرادته ومن كان قصده وعزمه الآخرة فنعطي له ما نريد من الآخرة.