التفاسير

< >
عرض

وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً
٢٤
رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً
٢٥
وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً
٢٦
-الإسراء

بحر العلوم

قوله: { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ } أي: كن ذليلاً رحيماً عليهما. وروى هشام عن عروة عن أبيه في قوله: { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ } قال: كن لهما ذليلاً ولا تمتنع من شيء أحباه. وقال عطاء: جناحك يعني: يداك لا ينبغي أن ترفع يدك على والديك ولا ينبغي لك أن تحد بصرك إليهما تغيظاً. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا دعاك أبواك وأنت في الصلاة فأجب أمك ولا تجب أباك" . وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لو كان جريج الراهب فقيهاً لعلم أن إجابة أمه أفضل من صلاته"
. قال الفقيه أبو الليث - رضي الله عنه - لأن في ذلك الوقت كان الكلام الذي تحتاج إليه مباحاً في الصلاة. وكذلك في أول شريعتنا ثم نسخ الكلام في الصلاة فلا يجوز أن يجيبها إلا إذا علم أنه وقع لها أمر مهم فيجوز له أن يقطع ثم يستقبل. ثم قال تعالى: { وَقُل رَّبّ ٱرْحَمْهُمَا } أي: عند معالجتك إياهما في الكبر. ويقال: معناه: رب اجعل رحمتهما في قلبي حتى أربيهما في كبرهما { كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا } أي: كما عالجاني في صغري، ويقال: معناه: ادع لهما بالرحمة بعد موتهما أي: كن باراً بهما في حياتهما وادع لهما بعد موتهما. ثم قال: { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِى نُفُوسِكُمْ } من اللين لهما { إِن تَكُونُواْ صَـٰلِحِينَ } أي بارين بالوالدين محسنين إليهما { فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً } أي: للراجعين من الذنوب إلى طاعة الله تعالى. ويقال: في الآية مضمر ومعناه: { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِى نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَـٰلِحِينَ } فإِن لم تكونوا صالحين فارجعوا إلى الله وتوبوا إليه تعالى. وقال مجاهد: الأواب الذي يذكر ذنوبه في الخلوة ويستغفر منها.. وقال سعيد بن جبير الأواب: الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب. وقال الحسن الأواب: الذي يقبل إلى الله بقلبه وعمله. وقال السدي الأواب: المحسن وقال القتبي: الأواب: التائب مرة بعد مرة من قولك آب يؤوب. ويقال: الأواب: الذي يصلي بين المغرب والعشاء. قوله: { وَءاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ } أي: صلته { وَٱلْمِسْكِينَ } أي: أعط السائلين { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } أي: الضيف النازل وحقه ثلاثة أيام. ثم قال تعالى: { وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا } أي: لا تنفق مالك في غير طاعة الله تعالى. وروي عن عمثان بن الأسود أنه قال سمعت مجاهداً ونحن نطوف بالبيت ورفع رأسه إلى أبي قبيس فقال: لو كان أبو قبيس ذهباً لرجل فأنفقه في طاعة الله تعالى لم يكن مسرفاً ولو أنفق درهماً في معصية الله تعالى كان مسرفاً. وروى الأعمش عن الحكم عن أبي عبيد وكان ضريراً وكان عبد الله بن مسعود يدنيه فجاءه يوماً فقال: من نسأل إن لم نسألك؟ فقال سل. قال فما الأواب؟ قال الرحيم قال فما التبذير؟ قال إنفاق المال في غير حقه. قال فما الماعون؟ قال: ما يعاون الناس فيما بينهم. قال فما الأمة؟ قال الذي يعلم الناس الخير.